فقال له ربه تعالى : وقد اتخذتك خليلاً، وهو مكتوب في التوراة حبيب الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك. ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلت من أمتك أقواماً قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أول النبيين خلقاً، وآخرهم بعثاً، وأولهم يقضى له، وأعطيتك سبعاً من المثاني لم أعطها نبياً قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم أعطها نبياً قبلك، وأعطيتك الكوثر وأعطيتك ثمانية أسهم : الإسلام والهجرة والجهاد والصلاة والصدقة وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلتك فاتحاً وخاتماً. قال النبي ﷺ :« فضلني ربي وأرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيراً ونذيراً، وألقى في قلب عدوي الرعب من مسيرة شهر، وأحل لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً، وأعطيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه، وعرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع والمتبوع، ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين، كأنما خرمت أعينهم بالمخيط، فلم يخف عليّ ما هم لاقون من بعدي، وأمرت بخمسين صلاة، فلما رجع إلى موسى عليه السلام قال : بم أمرت؟ قال : بخمسين صلاة، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، فقد لقيت من بني إسرائيل شدة، فرجع النبي ﷺ إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه عشراً، ثم رجع إلى موسى فقال : بكم أمرت؟ قال : بأربعين : قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فرجع فوضع عنه عشراً، إلى أن جعلها خمساً، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال : قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه، فما أنا براجع إليه. قيل له : أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات، فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة، وإن كل حسنة بعشر أمثالها، » فرضي محمد ﷺ كل الرضا. قال : وكان موسى عليه السلام من أشدهم عليه حين مر به، وخيرهم له حين رجع إليه.
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن، عن أبيه أبي ليلى : أن جبريل عليه السلام أتى النبي ﷺ بالبراق فحمله بين يديه، ثم جعل يسير به فإذا بلغ مكاناً مطأطئاً طالت يداه وقصرت رجلاه حتى يستوي به، وإذا بلغ مكاناً مرتفعاً قصرت يداه وطالت رجلاه حتى يستوي به ثم عرض له رجل عن يمين الطريق، فجعل يناديه يا محمد، إلى الطريق، مرتين، فقال له جبريل عليه السلام : امض ولا تكلم أحداً، ثم عرض له رجل عن يسار الطريق، فقال له إلى الطريق يا محمد، فقال له جبريل عليه السلام : امض ولا تكلم أحداً، ثم عرضت له امرأة حسناء جميلة، ثم قال له جبريل السلام : تدري من الرجل الذي دعاك عن يمين الطريق؟ قال : لا، قال : تلك اليهود دعتك إلى دينهم.


الصفحة التالية
Icon