وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي هاشم العبدي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ملك ما بين المشرق والمغرب أربعة : مؤمنان، وكافران، أما الكافران، فالفرخان و بختنصر. فأنشأ أبو هاشم يحدث قال : كان رجل من أهل الشام صالحاً فقرأ هذه الآية ﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ﴾ إلى قوله :﴿ علواً كبيراً ﴾ قال : يا رب، أما الأولى فقد فاتتني، فأرني الآخرة، فأتى وهو قاعد في مصلاه قد خفق برأسه فقيل : الذي سألت عنه ببابل واسمه بختنصر، فعرف الرجل أنه قد استجيب له، فاحتمل جراباً من دنانير فأقبل حتى انتهى إلى بابل، فدخل على الفرخان فقال : إني قد جئت بمال فأقسمه بين المساكين، فأمر به فأنزل، فجمعوهم له، ثم جعل يعطيهم ويسألهم عن أسمائهم، حتى إذا فرغ ممن بحضرته قيل له : فإنه قد بقيت منهم بقايا في الرساتيق، فجعل يبعث فتاه حتى إذا كان الليل رجع إليه فاقرأه رجلاً رجلاً، فأتى على ذكر بختنصر فقال : قف. كيف قلت؟ قال : بختنصر. قال : وما بختنصر هذا؟ قال : هو أشدهم فاقة، وهو مقعد يأتي عليه السفارون، فيلقي أحدهم إليه الكسرة، ويأخذ بأنفه. قال : فإني مسلم به [ ٧ ] لا بد. قال الآخر : فإنما هو في خيمة له يحدث فيها، حتى أذهب فأقبلها وأغسله. قال : دونك هذه الدنانير. فأقبل إليه بالدنانير فأعطاه إياها. ثم رجع إلى صاحبه فجاء معه، فدخل الخيمة فقال : ما اسمك؟ قال : بختنصر. قال : من سماك بختنصر؟ قال : من عسى أن يسميني إلا أمي! قال : فهل لك أحد؟ قال : لا والله، إني لههنا أخاف بالليل أن تأكلني الذئاب. قال : فأي الناس أشد بلاء؟ قال : أنا. قال : أفرأيت إن ملكت يوماً من دهر أتجعل لي أن لا تعصيني؟ قال أي سيدي لا يضرك أن لا تهزأ بي. قال : أرأيت إن ملكت مرة أتجعل لي أن لا تعصيني؟ قال : أما هذه فلا أجعلها لك ولكن سوف أكرمك كرامة لا أكرمها أحداً. قال دونك هذه الدنانير، ثم انطلق فلحق بأرضه، فقام الآخر فاستوى على رجليه، ثم انطلق فاشترى حماراً وأرساناً، ثم جعل يستعرض تلك الأعاجم فيجزها فيبيعه، ثم قال : إلى متى هذا الشقاء؟ فعمد فباع ذلك الحمار وتلك الأرسان واكتسى كسوة، ثم أتى باب الملك، فجعل يشير عليهم بالرأي وترتفع منزلته حتى انتهوا إلى بواب الفرخان الذي يليه، فقال له الفرخان : قد ذكر لي رجل عندك، فما هو؟ قال : ما رأيت مثله قط! قال : ائتني به، فكلمه فأعجب به. قال : إن بيت المقدس وتلك البلاد قد استعصوا علينا، وانا باعثون عليهم بعثاً، وإني باعث إلى البلاد من يختبرها، فنظر حينئذ إلى رجال من أهل الأرب والمكيدة، فبعثهم جواسيس، فلما فصلوا إذا بختنصر قد أتى بخرجيه على بغلة، قال : أين تريد؟ قال : معهم قال : أفلا آذنتني فابعثك عليهم؟ قال : لا، حتى إذا وقعوا بالأرض قال : تفرقوا وسأل بختنصر عن أفضل أهل البلد؟ فدل عليه، فألقى خرجيه في داره.


الصفحة التالية
Icon