قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت طرفة بن العبد البكري وهو يقول :

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض لشر أهون من بعض
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد ﴿ وحناناً من لدنا ﴾ قال : تعطفاً من ربه عليه.
وأخرج عبد بن حميد، عن الحسن ﴿ وحناناً من لدنا ﴾ قال : الرحمة.
وأخرج عبد بن حميد، عن الربيع ﴿ وحناناً من لدنا ﴾ قال :﴿ رحمة من عندنا ﴾ لا يملك عطاءها أحد غيرنا.
وأخرج الحكيم الترمذي، عن سعيد الجهني في قوله :﴿ وحناناً من لدنا ﴾ قال : الحنان المحبب.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد، عن قتادة ﴿ وحناناً من لدنا ﴾ قال : رحمة من عندنا ﴿ وزكاة ﴾ قال صدقة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله :﴿ وزكاة ﴾ قال : بركة. وفي قوله :﴿ وكان تقياً ﴾ قال : طهر فلم يعمل بذنب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن قوله :﴿ وكان تقياً ﴾ قال : لم يعصه ولم يهم بها.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله :﴿ ولم يكن جباراً عصياً ﴾ قال : كان سعيد بن المسيب يقول : قال النبي ﷺ « ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب، إلا يحيى بن زكريا » قال قتادة : وقال الحسن : قال النبي ﷺ « ما أذنب يحيى بن زكريا قط ولا هم بامرأة ».
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر، عن ابن عباس في قوله :﴿ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ﴾ قال : ذكره الله برحمته منه حيث دعاه ﴿ إذ نادى ربه نداء خفياً ﴾ يعني دعا ربه ﴿ دعاء خفياً ﴾ في الليل، لا يسمع أحداً، أو يسمع أذنيه. فقال :﴿ رب إني وهن العظم مني ﴾ يعني ضعف العظم مني ﴿ واشتعل الرأس شيباً ﴾ يعني غلب البياض السواد ﴿ ولم أكن بدعائك رب شقياً ﴾ أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى، فتخيبني فيما بقي، فكما لم أشق بدعائي فيما مضى، فكذلك لا أشقى فيما بقي، عوّدتني الإجابة من نفسك. ﴿ وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ فلم يبق لي وارث، وخفت العصبة أن ترثني ﴿ فهب لي من لدنك ولياً ﴾ يعني من عندك ولداً ﴿ يرثني ﴾ يعني يرث محرابي، وعصاي وبرنس العربان، وقلمي الذي أكتب به الوحي ﴿ ويرث من آل يعقوب ﴾ النبوّة ﴿ واجعله رب رضياً ﴾ يعني مرضياً عندك زاكياً بالعمل، فاستجاب الله له، فكان قد دخل في السن هو وامرأته. فبينا هو قائم يصلي في المحراب، حيث يذبح القربان، إذا هو برجل عليه البياض حياله، وهو جبريل فقال :﴿ يا زكريا إن الله يبشرك بغلام اسمه يحيى ﴾ هو اسم من أسماء الله، اشتق من حي سماه الله فوق عرشه ﴿ لم نجعل له من قبل سميا ﴾ لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له ﴿ هل تعلم له سميا ﴾ يعني هل تعلم له ولداً، ولم يكن لزكريا قبله ولد، ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال : وكان اسمه حياً، فلما وهب الله لسارة إسحق، فكان اسمها يسارة، ويسارة من النساء التي لا تلد، وسارة من النساء : الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى، فقال :﴿ رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً ﴾ خاف أنها لا تلد.


الصفحة التالية
Icon