قال : فشققت مع الشجرة بالمنشار. فقال له النبي ﷺ : يا زكريا، هل وجدت له مساً أو وَجعاً؟ قال : لا، إنما وجدت تلك الشجرة جعل الله روحي فيها «.
وأخرج ابن عساكر، عن وهب بن منبه أن زكريا هرب ودخل جوف شجرة، فوضع على الشجرة المنشار وقطع بنصفين، فلما وقع المنشار على ظهره أنَّ، فأوحى الله »
يا زكريا إما أن تكف عن أنينك، أو أقلب الأرض ومن عليها « فسكت حتى قطع نصفين.
وأخرج أحمد في الزهد وابن عساكر عن يزيد بن ميسرة قال : كان طعام يحيى بن زكريا الجراد وقلوب الشجر، وكان يقول : من أنعم منك يا يحيى؟ طعامك الجراد وقلوب الشجر.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن عساكر، عن أبي إدريس الخولاني وابن المبارك وأحمد في الزهد وأبو نعيم، عن مجاهد قالا : كان طعم يحيى بن زكريا العشب، وإن كان ليبكي من خشية الله، حتى لو كان القار على عينه لأحرقه! ولقد كانت الدموع اتخذت مجرى في وجهه.
وأخرج ابن عساكر، عن يونس بن ميسرة قال : مر يحيى بن زكريا على دينار فقال : قبح هذا الوجه يا دينار، يا عبد العبيد، ومعبد الأحرار.
وأخرج البيهقي في سننه، عن مجاهد قال : سأل يحيى بن زكريا ربه؟ قال : رب، اجعلني أسلم على ألسنة الناس، ولا يقولون فيّ إلا خيراً. فأوحى الله إليه :»
يا يحيى لم أجعل هذا لي، فكيف أجعله لك؟ «.
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب وابن عساكر، عن ثابت البناني قال : بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى بن زكريا، فرأى عليه معاليق من كل شيء، فقال له يحيى : ما هذه؟! قال : هذه الشهوات التي أصيب بها بنو آدم. قال له يحيى : هل لي فيها شيء؟ قال : لا. قال : فهل تصيب مني شيئاً؟ قال : ربما شبعت، فثقلناك عن الصلاة والذكر. قال : هل غيره؟ قال : لا. قال : لا جرم، لا أشبع أبداً.
وأخرج ابن عساكر من طريق علي بن زيد بن جدعان، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي قال : كان ملك مات وترك امرأته وابنته، فورث ملكه أخوه، فأراد أن يتزوج امرأة أخيه، فاستشار يحيى بن زكريا في ذلك، وكانت الملوك في ذلك الزمان يعلمون بأمر الأنبياء، فقال له : لا تتزوّجها فإنها بغي، فبلغ المرأة ذلك، فقالت : ليقتلن يحيى أو ليخرجن من ملكه. فعمدت إلى ابنتها فصيغتها، ثم قالت اذهبي إلى عمك عند الملأ، فإنه إذا رآك سيدعوك، ويجلسك في حجره ويقول : سليني ما شئت، فإنك لن تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فإذا قال لك قولي : فقولي لا أسألك شيئاً إلا رأس يحيى، وكانت الملوك إذا تكلم أحدهم بشيء على رؤوس الملأ، ثم لم يمض له، نزع من ملكه.


الصفحة التالية
Icon