فقالت الملائكة : ربنا لا نطلب ثواباً، ولا تصيبنا بعقاب، رضينا بمكاننا منك يا رب، وفضيلتك إيانا. وانتدب ثلاثة من الملائكة : هاروت وماروت، وملك آخر رضوا به، فأوحى الله إليهم :« أما إذا اجتمعتم على هذا فاحذروا إن نفعكم الحذر، فإني أنذركم، اعلموا أن أكبر الكبائر عندي أربع :- فما عملتم سواها غفرته لكم، وإن عملتموها لم أغفر لكم ». قالوا وما هي؟ قال : أن لا تعبدوا صنماً ولا تسفكوا دماً ولا تشربوا خمراً ولا تطؤوا محرماً. فهبطوا إلى الأرض على ذلك، فكانوا في الأرض على مثل ما كان عليه إدريس : يقيمون أربعة أيام في سياحتهم، وثلاثة أيام يعلمون الناس الخير، ويدعونهم إلى عبادة الله تعالى وطاعته. حتى ابتلاهم الله بالزهرة، وكانت من أجمل النساء. فلما نظروا إليها افتتنوا بها - أراد الله ولما سبق عليهم في علمه مع خذلان الله إياهم - فنسوا ما تقدم إليهم، فسألوها نفسها. قالت لهم : نعم. ولكن لي زوج لا أقدر على ما تريدون مني إلا أن تقتلوه، وأكون لكم. فقال بعضهم لبعض : إنا قد أمرنا أن لا نسفك دماً، ولا نطأ محرماً، ولكن نفعل هذا مع هذا، ثم نتوب من هذا كله. فلما أحس الثالث بالفتنة، عصمه الله من ذلك كله بالسماء فدخلها فنجا، وأقام هاروت وماروت لما كتب عليهما، فنشدا على زوجها فقتلاه. فلما أراداها، قالت : لي صنم أعبده، وأنا أكره معصيته وخلافه، فإن أردتما، فاسجدا له سجدة واحدة. فدعتهما الفتنة إلى ذلك، فقال أحدهما لصاحبه : إنا قد أمرنا أن لا نسفك دماً ولا نطأ محرماً، ولكنا نفعله، ثم نتوب من جميعه، فسجدوا لذلك الصنم. فلما أراداها قالت لهما : قد بقيت لي حاجة أخرى قالا : وما هي؟ قالت : لي شراب لا يطيب لي من العيش إلا به. قالا : وما هو؟ قالت : الخمر. فدعتهما الفتنة إلى ذلك، فقال أحدهما لصاحبه : إنا قد أمرنا أن لا نشرب خمراً فقال الآخر : إنا قد أمرنا أن لا نسفك دماً، ولا نطأ محرماً، ولكنا نفعله، ثم نتوب من جميعه.


الصفحة التالية
Icon