« يا آدم، إني قد أهبطت لك بيتاً يطاف به كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي... فاخرج إليه » فخرج اليه آدم ومدّ له في خطوه، فكان بين كل خطوتين مفازة. فلم تزل تلك المفاوز بعد على ذلك... وأتى آدم فطاف به ومن بعده من الأنبياء.
قال معمر : وأخبرني أبان أن البيت أهبط ياقوتة واحدة أو درة واحدة. قال معمر : وبلغني أن سفينة نوح طافت بالبيت سبعاً، حتى إذا أغرق الله قوم نوح فقدوا بقي أساسه، فبوّأه الله لإبراهيم فبناه بعد ذلك. فذلك قول الله ﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت... ﴾. قال معمر : قال ابن جريج : قال ناس : أرسل الله سبحانه سحابه فيها رأس، فقال الرأس : يا إبراهيم، إن ربك يأمرك أن تأخذ قدر هذه السحابة. فجعل ينظر إليها ويخط قدرها. قال الرأس : قد فعلت؟ قال : نعم. ثم ارتفعت فحفر فأبرز عن أساس ثابت في الأرض. قال ابن جريج : قال مجاهد : أقبل الملك والصرد والسكينة مع إبراهيم من الشام، فقالت السكينة : يا إبراهيم، ريض على البيت. قال : فلذلك لا يطوف البيت أعرابي ولا ملك من هذه الملوك، إلا رأيت عليه السكينة والوقار.
قال ابن جريج : وقال ابن المسيب : قال علي بن أبي طالب : وكان الله استودع الركن أبا قبيس، فلما بنى إبراهيم ناداه أبو قبيس فقال : يا إبراهيم، هذا الركن فيّ فخده. فحفر عنه فوضعه، فلما فرغ إبراهيم من بنائه قال : قد فعلت يا رب، فأرنا مناسكنا... أبرزها لنا وعلمناها. فبعث الله جبريل فحج به، حتى إذا رأى عرفة قال : قد عرفت. وكان أتاها قبل ذلك مرة. قال : فلذلك سميت عرفة، حتى إذا كان يوم النحر عرض له الشيطان فقال : احصب. فحصبه بسبع حصيات. ثم اليوم الثاني فالثالث فسدّ ما بين الجبلين - يعني إبليس - فلذلك كان رمي الجمار. قال : اعل على ثبير. فعلاه فنادى : يا عباد الله، أجيبوا الله... يا عباد الله، أطيعوا الله... فسمع دعوته من بين الأبحر السبع ممن كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان. فهي التي أعطى الله إبراهيم في المناسك قوله : لبيك اللهم لبيك، ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعداً، فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال : كان البيت غثاة - وهي الماء - قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عاماً، ومنه دحيت الأرض.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل، عن السدي قال : إن الله تعالى أمر إبراهيم أن يبني البيت هو وإسماعيل، فانطلق إبراهيم حتى أتى مكة فقام هو وإسماعيل وأخذ المعاول لا يدريان أين البيت، فبعث الله ريحاً يقال لها ريح الخجوج، لها جناحان ورأس في صورة حية، فكنست لهما ما حول الكعبة من البيت الأول، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس.


الصفحة التالية
Icon