[ الشعراء : ٤٠ ] - يعنون بذلك موسى وهارون استهزاء بهما - فقالوا : يا موسى - لقدرتهم بسحرهم - ﴿ إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ﴾ [ الأعراف : ١١٥ ] قال : ألقوا ﴿ فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ﴾ [ الأعراف : ٤٤ ] فرأى موسى من سحرهم ما أوجس منه خيفة. فأوحى الله إليه ﴿ أن ألق عصاك ﴾ [ القصص : ٣١ ] فلما ألقاها صارت ثعباناً عظيماً فاغرة فاها، فجعل العصا بدعوة موسى تلتبس بالحبال، حتى صارت [ ] جرداً إلى الثعبان، حتى تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلاً إلا ابتلعته، فلما عاين السحرة ذلك قالوا : لو كان هذا سحراً لم تبتلع من سحرنا كل هذا! ولكن هذا من أمر الله تعالى. فآمنا بالله، وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله تعالى مما كنا فيه، فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، فظهر الحق وبطل ما كانوا يعملون ﴿ فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ﴾ [ الأعراف : ١١٩ ] وامرأة فرعون بارزة متبذلة - تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون - فمن رآها - من آل فرعون ظن أنها تبذلت شفقة على فرعون وأشياعه، وإنما كان حزنها وهمها لموسى. فلما طال مكث موسى لمواعد فرعون الكاذبة، كلما جاء بآية وعد عندها أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا كشف ذلك عنه، نكث عهده واختلف وعده، حتى أمر موسى بقومه، فخرج بهم ليلاً. فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا بعث في المدينة وحولها حاشرين، فتبعهم جنود عظيمة كثيرة، وأوحى الله إلى البحر : إذا ضربك عبدي موسى فانفرق له اثني عشر فرقاً، حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التق بعد على من بقي من قوم فرعون وأشياعه. فنسي موسى أن يضرب بعصاه، فدفع إلى البحر وله قصيف؛ مخافة أن يضربه بعصاه وهو غافل فيصير عاصياً ﴿ فلما تراءى الجمعان ﴾ وتقاربا ﴿ قال أصحاب موسى إنا لمدركون ﴾ [ الشعراء : ٦١ ] فافعل ما أمرك به ربك فإنك لم تكذب ولم تكذب. قال : وعدني ربي إذا انتهيت إلى البحر أن ينفرق لي حتى أجوز، ثم ذكر بعد ذلك العصا، فضرب البحر - حين دنا أوائل جند فرعون - من أواخر جند موسى فانفرق البحر - كما أمره الله وكما وعد موسى، فلما جاز أصحاب موسى كلهم، ودخل أصحاب فرعون كلهم، التقى البحر عليهم كما أمره الله تعالى، فما أن جاوز البحر ﴿ قال أصحاب موسى إنا لمدركون ﴾ [ الشعراء : ٦١ ] إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نأمن هلاكه! فدعا ربه فأخرجه له ببدنه من البحر، حتى استيقنوا. ثم مروا بعد ذلك ﴿ على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. قال إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ] قد رأيتم من العبر ما يكفيكم وسمعتم به، فمضى حتى أنزلهم منزلاً، ثم قال لهم : أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم، وإني ذاهب إلى ربي، وأجلهم ثلاثين يوماً أن يرجع إليهم فيها، فلما أتى ربه وأراد أن يكلمه في ثلاثين يوماً - فصامهن ليلهن ونهارهن - كره أن يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم، فتناول موسى من نبات الأرض شيئاً فمضغه.


الصفحة التالية
Icon