فقال له ربه :- حين أتاه - لم أفطرت؟ وهو أعلم بالذي كان. قال : يا رب، إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح. قال : وما علمت يا موسى، أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك! ارجع حتى تصوم عشرة أيام ثم ائتني. ففعل موسى الذي أمره الله به، فلما رأى قوم موسى أنه لم يأتهم للأجل ساءهم ذلك. وقد كان هارون خطبهم وقال له : إنكم خرجتم من مصر وعندكم ودائع لقوم فرعون وعوار، ولكم فيهم مثل ذلك، وأنا أرى أن تحتسبوا ما كان لكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها أو عارية، ولسنا نرى أداء شيء من ذلك إليهم، ولا مُمْسِكيه. فحفر حفرة وأمر كل قوم عندهم شيء من ذلك من متاع أو حلية بأن يدفنوه في الحفرة، ثم أوقد عليه النار فأحرقه وقال : لا يكون لنا ولا لهم. وكان السامري رجلاً من قوم يعبدون البقر، ليس من بني إسرائيل، جار لهم، فاحتمل مع بني إسرائيل حين احتملوا، فقضى له أن رأى أثر الفرس، فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون : يا سامري. ألا تلقي ما في يديك؟ - وهو قابض عليه لا يراه أحد [ ] طوال ذلك - فقال : هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، فلا ألقيها لشيء، إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها، أن يكون ما أريد. قال : فألقاها ودعا له هارون. فقال : أريد أن يكون عجلاً، فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع : نحاس أو حديد أو حلى، فصار عجلاً أجوف ليس فيه روح له خوار. فقال ابن عباس : والله ما كان له صوت، ولكن الريح كانت تدخل في دبره وتخرج من فيه، فكان ذلك الصوت من ذلك. فتفرق بنو إسرائيل فقالت فرقة : يا سامري، ما هذا فإنك أنت أعلم به؟ فقال : هذا ربكم، ولكن موسى أخطأ الطريق. فقالوا : لا نكذب بهذا ﴿ حتى يرجع إلينا موسى ﴾ [ طه : ٩١ ] فإن يك ربنا لم يكن ضيعنا وعجزنا حين رأيناه، وإن لم يكن ربنا فإننا نتبع قول موسى. وقال فرقة : هذا من عمل الشيطان، وليس ربنا ولا نصدق به ولا نؤمن به. وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق بما قال السامري في العجل : وأعلنوا التكذيب و ﴿ قال لهم هارون يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن ﴾ وليس بهكذا.


الصفحة التالية