فقال ابن عباس : هذا الحرج الذي ليس له مخرج.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق عبيدالله بن أبي يزيد، ان ابن عباس سئل عن الحرج؟ فقال : ههنا أحد من هذيل؟ فقال رجل : أنا. فقال : ما تعدون الحرجة فيكم؟ قال : الشيء الضيق. قال : هو ذاك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة قال : الحرج الضيق لم يجعله ضيقاً، ولكنه جعله واسعاً ﴿ أحل لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ﴾ ﴿ وما ملكت أيمانكم ﴾ ﴿ وحرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ﴾.
وأخرج محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات وابن عساكر، عن ابن شهاب قال : سأل عبد الملك بن مروان علي بن عبدالله، عن هذه الآية؟ ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ فقال علي بن عبدالله : الحرج، الضيق؛ جعل الله الكفارات مخرجاً من ذلك. سمعت ابن عباس يقول ذلك.
وأخرج البيهقي في سننه، عن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر قال : قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ثم قال : ادعوا لي رجلاً من بني مدلج. قال عمر : ما الحرج فيكم؟ قال : الضيق.
وأخرج أحمد، عن حذيفة بن اليمان قال : غاب عنا رسول الله - ﷺ - يوماً فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة، فظننا أن نفسه قد قبضت! فلما رفع رأسه قال :« إن ربي تعالى إستشارني في أمتي ماذا أفعل بهم؟ فقلت : ما شئت أي رب؛ هم خلقك وعبادك، فاستشارني الثانية؟ فقلت له كذلك، فقال : لا أخزيك في أمتك يا محمد، وبشرني : إن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفاً مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حساب. ثم أرسل إلي ادع تجب، وسل تعط، فقلت لرسوله : أو معطي ربي سؤلي؟ قال : ما أرسلني إليك إلا ليعطيك. ولقد أعطاني ربي تعالى ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأنا أمشي حياء، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر، فهو نهر في الجنة يسيل في حوضي، وأعطاني العز والنصر والرعب، يسعى بين يدي أمتي شهراً، وأعطاني : أني أول الأنبياء أدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيراً ممن شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا من حرج، فلم أجد لي شكراً إلا هذه السجدة ».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مقاتل بن حيان في قوله :﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ يقول : لم يضيق الدين عليكم، ولكن جعله واسعاً لمن دخله، وذلك أنه ليس مما فرض عليهم فيه، إلا ساق إليهم عند الاضطرار رخصة؛ والرخصة في الدنيا فيها وسع عليهم رحمة منه، إذا فرض عليهم الصلاة في المقام أربع ركعات، وجعلها في السفر ركعتين وعند الخوف من العدو ركعة، ثم جعل في وجهة رخصة؛ أن يوميء إيماء أن لم يستطيع السجود، في أي نحو كان وجهه، لمن تجاوز عن السيئات منه والخطأ، وجعل في الوضوء والغسل رخصة، إذا لم يجد الماء أن يتيمموا الصعيد، وجعل الصيام على المقيم واجباً، ورخص فيه للمريض، والمسافر عدة من أيام أخر، فمن لم يطق فإطعام مسكين مكان كل يوم، وجعل في الحج رخصة؛ إن لم يجد زاداً أو حملاناً أو حبس دونه، وجعل في الجهاد رخصة؛ إن لم يجد حملاناً أو نفقة، وجعل عند الجهد والاضطرار من الجوع : أن رخص في الميتة والدم ولحم الخنزير قدر ما يرد نفسه؛ لا يموت جوعاً في أشباه هذا في القرآن، وسعة الله على هذه الأمة رخصة منه ساقها إليهم.