قال أخذ من تحت الحافر قبضة، وألقى في روع السامري : إنك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا إلا كان، فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر، فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر، أغرق الله آل فرعون. قال موسى لأخيه هارون ﴿ اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ﴾ ومضى موسى لموعد ربه، وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون، فكأنهم تأثموا منه، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه قال السامري : بالقبضة هكذا، فقذفها فيه، وقال : كن عجلاً جسداً له خوار فصار ﴿ عجلاً جسداً له خوار ﴾ فكان يدخل الريح من دبره، ويخرج من فيه يسمع له صوت! فقال ﴿ هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا ﴾ على العجل يعبدونه. فقال هارون :﴿ يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ﴾ ﴿ قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان السامري رجلاً من أهل ماجرما، وكان من قوم يعبدون البقر، فكان يحب عبادة البقر في نفسه، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل، فلما فصل موسى إلى ربه قال لهم هارون : إنكم قد حملتم ﴿ أوزاراً من زينة القوم ﴾ آل فرعون ومتاعاً وحلياً فتطهروا منها، فإنها رجس، وأوقد لهم ناراً، فقال : اقذفوا ما معكم من ذلك فيها، فجعلوا يأتون بما معهم فيقذفون فيها، ورأى السامري أثر فرس جبريل، فأخذ تراباً من أثر حافره، ثم أقبل إلى النار، فقال لهارون يا نبي الله، ألقي ما في يدي؟ قال : نعم. ولا يظن هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة فقذفه فيها فقال : كن ﴿ عجلاً جسداً له خوار ﴾، فكان للبلاء والفتنة. فقال :﴿ هذا إلهكم وإله موسى ﴾ ﴿ فعكفوا عليه ﴾ وأحبوه حباً لم يحبوا مثله شيئاً قط : يقول الله :﴿ فنسي ﴾ أي ترك ما كان عليه من الإسلام، يعني السامري ﴿ أفلا يرون أَلاَّ يرجع إليهم قولاً ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ﴾ وكان اسم السامري : موسى بن ظفر وقع في أرض مصر، فدخل في بني إسرائيل، فلما رأى هارون ما وقعوا فيه قال :﴿ يا قوم، إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾ فأقام هارون فيمن معه من المسلمين مخافة أن يقول له موسى :﴿ فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾ وكان له سامعاً مطيعاً.


الصفحة التالية
Icon