وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن ﴿ يمشون على الأرض هوناً ﴾ قال : يمشون حلماء متواضعين لا يجهلون على أحد، وإن جهل عليهم جاهل لم يجهلوا. هذا نهارهم إذا انتشروا في الناس ﴿ والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ قال : هذا ليلهم إذا خلوا بينهم وبين ربهم.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : كان يقال : ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله لك تكن غنياً، وأحسن مجاورة من جاورك من الناس تكن مسلماً، وصاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به تكن عدلاً، وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. إنه قد كان بين أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون شديداً، ويأملون بعيداً، فأين هم؟ أصبح جمعهم بوراً، وأصبح عملهم غروراً، وأصبحت مساكنهم قبوراً.
ابن آدم إنك مرتهن بعملك، وأنت على أجلك معروض على ربك، فخذ مما في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك من الخير. يا ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل قبرك، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك.
يا ابن آدم خالط الناس وزايلهم : خالطهم ببدنك، وزايلهم بقلبك وعملك.
يا ابن آدم أتحب أن تذكر بحسناتك وتكره أن تذكر بسيئاتك، وتبغض على الظن وتقيم على اليقين. وكان يقال : أن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها وافضاء بعينها خشعت لذلك قلوبهم، وأبدانهم، وأبصارهم، كنت والله إذا رأيتهم قوماً كأنهم رأي عين. والله ما كانوا بأهل جدل وباطل، ولكن جاءهم من الله أمر فصدقوا به، فنعتهم الله في القرآن أحسن نعت فقال ﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً ﴾ قال : الحسن ( والهون ) في كلام العرب : اللين والسكينة والوقار ﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ قال : حلماء لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا. يصاحبون عباد الله نهارهم مما تسمعون.
ثم ذكر ليلهم خير ليل قال ﴿ والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سجداً لربهم، تجري دموعهم على خدودهم خوفاً من ربهم. قال الحسن : لأمر مّا سهر ليلهم، ولأمر ما خشع نهارهم ﴿ والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً ﴾ قال : كل شيء يصيب ابن آدم لم يدم عليه فليس بغرام، إنما الغرام اللازم له ما دامت السموات والأرض، قال : صدق القوم. والله الذي لا إله إلا هو فعلوا ولم يتمنوا. فاياكم وهذه الأماني يرحمكم الله! فإن الله لم يعط عبد بالمنية خيراً في الدنيا والآخرة قط. وكان يقول : يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة!
وأخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد الخدري


الصفحة التالية
Icon