وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن سماك بن حرب؛ أن رسول الله ﷺ قال :« لما أسرى موسى ببني إسرائيل غشيتهم غمامة حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروه. وقيل لموسى : لن تعبر إلا ومعك عظام يوسف قال : وأين موضعها؟ قالوا : ابنته عجوز كبيرة ذاهبة البصر تركناها في الديار.
فرجع موسى فلما سمعت حسه قالت : موسى؟ قال : موسى. قالت : ما وراءك؟ قال : أمرت أن أحمل عظام يوسف. قالت : ما كنتم لتعبروا إلا وأنا معكم قال : دليني على عظام يوسف قالت : لا أفعل إلا أن تعطيني ما سألتك قال : فلك ما سألت قالت : خذ بيدي. فأخذ بيدها فانتهت به إلى عمود على شاطىء النيل في أصله سكة من حديد موتدة فيها سلسلة فقالت : انا دفناه من ذلك الجانب. فأخصب ذلك الجانب وأجدب ذا الجانب، فحولناه إلى هذا الجانب فاخصب هذا الجانب وأجدب ذاك، فلما رأينا ذلك جمعنا عظامه فجعلناها في صندوق من حديد، وألقيناه في وسط النيل فأخصب الجانبان جميعاً.
فحمل الصندوق على رقبته وأخذ بيدها فألحقها بالعسكر وقال لها : سلي ما شئت قالت : فإني أسألك أن أكون أنا وأنت في درجة واحدة في الجنة، ويرد علي بصري وشبابي حتى أكون شابة كما كنت. قال : فلك ذلك ».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال : أوصى يوسف عليه السلام إن جاء نبي من بعدي فقولوا له : يخرج عظامي من هذه القرية. فلما كان من أمر موسى ما كان يوم فرعون فمر بالقرية التي فيها قبر يوسف، فسأل عن قبره فلم يجد أحد يخبره فقيل له : ههنا عجوز بقيت من قوم يوسف. فجاءها موسى عليه السلام فقال لها : تدليني على قبر يوسف؟ فقالت : لا أفعل حتى تعطيني ما اشترط عليك. فأوحى الله إلى موسى : أن أعطها شرطها قال لها : وما تريدين؟ قالت : أكون زوجتك في الجنة. فاعطاها فدلته على قبره.
فحفر موسى القبر ثم بسط رداءه وأخرج عظام يوسف فجعله في وسط ثوبه، ثم لف الثوب بالعظام فحمله على يمينه فقال له الملك الذي على يمينه : الحمل يحمل على اليمين! قال : صدقت هو على الشمال وإنما فعلت ذلك كرامة ليوسف.
وأخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان يوسف عليه السلام قد عهد عند موته أن يخرجوا بعظامه معهم من مصر. قال : فتجهز القوم وخرجوا فتحيروا فقال لهم موسى : إنما تحيركم هذا من أجل عظام يوسف فمن يدلني عليها؟ فقالت عجوز يقال لها شارح ابنة آي بن يعقوب : أنا رأيت عمي يوسف حين دفن فما تجعل لي إن دللتك عليه؟ قال : حكمك.