فقال سليمان : عليَّ بالهدهد. فلم يوجد، فغضب سليمان وقال ﴿ لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين ﴾ يقول : بعذر مبين غيبه عن مسيري هذا.
قال : ومر الهدهد على قصر بلقيس فرأى لها بستاناً خلف قصرها، فمال إلى الخضرة فوقع فيه، فإذا هو بهدهد في البستان فقال له : هدهد سليمان أين أنت عن سليمان وما تصنع ههنا؟ فقال له هدهد بلقيس : ومن سليمان؟! فقال : بعث الله رجلاً يقال له : سليمان رسولاً وسخر له الجن والانس والريح والطير. فقال له هدهد بلقيس : أي شيء تقول؟ قال : أقول لك ما تسمع. قال : إن هذا لعجب! وأعجب من ذلك أن كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة ﴿ وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ﴾ جعلوا الشكر لله : أن يسجدوا للشمس من دون الله.
قال : وذكر لهدهد سليمان، فنهض عنه فلما انتهى إلى العسكر تلقته الطير فقالوا : تواعدك رسول الله، وأخبروه بما قال. وكان عذاب سليمان للطير أن ينتفه، ثم يشمسه، فلا يطير أبداً ويصير مع هوام الأرض، أو يذبحه فلا يكون له نسل أبداً. قال الهدهد : وما استثنى نبي الله؟ قالوا : بلى. قال : أو ليأتيني بعذر مبين. فلما أتى سليمان قال : وما غيبتك عن مسيري؟ قال ﴿ أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ﴾ قال : بل اعتللت ﴿ سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين، اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ﴾ وكتب ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ إلى بلقيس ﴿ ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين ﴾ فلما ألقى الهدهد الكتاب إليها، ألقى في روعها أنه كتاب كريم، وإنه من سليمان و ﴿ ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين... ، قالوا نحن أولوا قوة ﴾ قالت ﴿ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها... ، وإني مرسلة إليهم بهدية ﴾ فلما جاءت الهدية سليمان قال : أتمدونني بمال ارجع إليهم. فلما رجع إليها رسلها خرجت فزعة، فأقبل معها ألف قيل مع كل قيل مائة ألف.
قال : وكان سليمان رجلاً مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه. فخرج يومئذ فجلس على سريره فرأى رهجاً قريباً منه قال : ما هذا؟ قالوا : بلقيس يا رسول الله قال : وقد نزلت منا بهذا المكان؟ قال ابن عباس : وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومن معها حين نظر إلى الغبار كما بين الكوفة والحيرة قال : فأقبل على جنوده فقال : أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين؟ قال : وبين سليمان وبين عرشها حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين ﴿ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ﴾.
قال : وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس كما تجلس الأمراء، ثم يقوم قال سليمان : أريد اعجل من ذلك.


الصفحة التالية
Icon