وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد في قوله :﴿ وفتناك فتوناً ﴾ قال : بلاء إلقاؤه في التابوت، ثم في اليم، ثم التقاط آل فرعون إياه، ثم خروجه خائفاً يترقب.
وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده، وعبد بن حميد، والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : سألت ابن عباس عن قول الله تعالى لموسى عليه السلام :﴿ وفتناك فتوناً ﴾ فسألت عن الفتون ما هو؟ فقال : استأنف النهار يا ابن جبير، فإن لها حديثاً طويلاً، فلما أصبحت غدوت على ابن عباس، لأتنجز ما وعدني من حديث الفتون فقال : تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله تعالى - وعد إبراهيم عليه السلام - من أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً. فقال بعضهم : إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ما يشكون فيه، ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب، فلما هلك قالوا : ليس هذا كان وعد الله إبراهيم. قال فرعون : فكيف ترون؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم، على أن يبعث رجالاً - معه الشفار - يطوفون في بني إسرائيل : فلا يجدون مولوداً إلا ذبحوه، ففعلوا فلما رأوا أن الكبار يموتون بآجالهم، وإن الصغار يذبحون قالوا : يوشك أن يفني بنو إسرائيل، فتصيروا تباشروا الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم، فاقتلوا عاماً كل مولود ذكر، فتقل أبناؤهم. ودعوا عاماً لا تقتلوا منهم أحداً، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار؛ فإنهم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إياكم، ولن يفنوا بمن تقتلون فتحتاجون إليهم، فاجمعوا أمرهم على ذلك، فحملت أم موسى بهرون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدت علانية آمنة، حتى إذا كان في قابل حملت بموسى، فوقع في قلبها الهم والحزن، فذلك من الفتون يا ابن جبير، لما دخل عليه في بطن أمه ما يراد به، فأوحى الله إليها : أن :﴿ لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ﴾ [ القصص : ٧ ] وأمرها إذا ولدته أن تجعله في تابوت، ثم تلقيه في اليم، فلما ولدت فعلت ما أمرت به، حتى إذا توارى عنها ابنها - أتاها الشيطان - وقالت في نفسها : ما فعلت بابني؟! لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إليّ من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه. فانطلق به الماء حتى أوفى به عند مستقى جواري امرأة فرعون، فرأينه فأخذنه فهممن أن يفتحن الباب، فقال بعضهن لبعض : إن في هذا لمالاً، وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه، فحملنه بهيئته لم يحركن منه شيئاً، حتى دفعنه إليها، فلما فتحته رأت فيه الغلام، فألقي عليها محبة لم تلق منها على أحد من البشر قط، ﴿ وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً ﴾ [ القصص : ١٠ ] من ذكر كل شيء، إلا من ذكر موسى، فلما سمع الذباحون بأمره، أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم يريدون أن يذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن جبير، فقالت للذباحين : إن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، وإني آتي فرعون فأستوهبه منه، فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألمكم، فلما أتت به فرعون قالت :


الصفحة التالية
Icon