.. فقهقهت السمكة حتى سقطت من القصعة. فعل ذلك ثلاث مرات، كل ذلك تقهقه السمكة، وتضطرب حتى تسقط من الخوان.
فأتى عالم بني إسرائيل فأخبره، فقال : انطلق فاذكر ربك، وكل طعامك، واخسا الشيطان عنك، فقال له : اخف الناس انطلق إلى ابنه فإنه أعلم منه، فانطلق فاخبره فقال : ائتني بكل من في دارك ممن لم تر عورته، فأتاه فنظر في وجوههم ثم قال : اكشف عن هذه الحبشية، فكشف عنها، فإذا مثل ذراع البكر فقال : من هذا أتيت. فمات أبو الفتى العالم، وهتك بهتكه ذلك الستر، واحتاج إليه الناس، فاتاه بنو إسرائيل فقالوا، ويحك.. ! أنت كنت أعلمنا، وأميننا. فلما أن أكثروا عليه هرب منهم، إلى أن بلغ إلى أقصى موضع بني إسرائيل من أرض البلقاء، فاتيح له امرأة جميلة تستفتيه فقال لها : هل لك أن تمكنيني من نفسك واهب لك مائة دينار؟ قالت : أو خير من ذلك تجيء إلى أهلي تتزوّجني، وأكون لك حلالاً أبداً. قال : فأين منزلك فوصفت له، فطابت عليه تلك الليلة.
فمضى فإذا هو بكلبة تنبح، في بطنها جراؤها قال : ما أعجب هذا! قيل له : إمضِ.. لا تكونن مكلفاً، فسوف يأتيك خبر هذا. فمضى فإذا هو برجل يحمل حجارة كلما ثقلت عليه وسقطت منه زاد عليها فقال له : أنت لا تستطيع تحمل هذا تزيد عليه قال : امضِ.. لا تكونن مكلفاً، سوف يأتيك خبر هذا. فمضى فإذا هو برجل يستقي من بئر، ويصبه في حوض إلى جنب البئر، وفي الحوض ثقب، فالماء يرجع إلى البئر قال له : لو سددت الحجر استمسك لك الماء قال : امض.. لا تكونن مكلفاً، سوف يأتيك خبر هذا، فمضى فإذا هو بظبية، ورجل راكب عليها، وآخر يحلبها، وآخر يمسك بقرنيها، وآخرون يمسكون بقوائمها، قال : ما أعجب هذا؟ قال له : امضِ.. لا تكونن مكلفاً، سوف يأتيك خبر هذا. فمضى فإذا هو برجل يبذر بذراً فلا يقع على الأرض حتى ينبت.
فمضى فإذا هو بالقصر الذي وعدته، وإذا دونه نهر، وإذا رجل جالس على سرير فقال له : كيف الطريق إلى هذا القصر؟ ولقد رأيت في ليلتي أعاجيب قال : ما هي؟ فذكر الكلبة. قال : يأتي على الناس زمان يثب الصغير على الكبير، والوضيع على الشريف، والسفيه على الحليم. وذكر له الذي يحمل الحجارة قال : يأتي على الناس زمان يكون عند الرجل الأمانه فلا يقدر يؤديها، ويزيد عليها. وذكر له الذي يستقي قال : يأتي على الناس زمان يتزوج الرجل المرأة لا يتزوجها لدين، ولا حسب، ولا جمال، إنما يريد مالها، وتكون لا تلد، فيكون كل شيء منه يرجع فيها.


الصفحة التالية
Icon