وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال : لما أصاب داود عليه السلام الخطيئة، وإنما كانت خطيئته، أنه لما أبصرها أمر بها فعزلها فلم يقربها، فأتاه الخصمان، فتسورا في المحراب، فلما أبصرهما قام إليهما فقال : أخرجا عني ما جاء بكما إليَّ فقالا : إنما نكلمك بكلام يسير ﴿ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ﴾ وأنا ﴿ لي نعجة واحدة ﴾ وهو يريد أن يأخذها مني فقال داود عليه السلام : والله أنا أحق أن ينشر منه من لدن هذه إلى هذه. يعني من أنفه إلى صدره فقال رجل : هذا داود فعله فعرف داود عليه السلام إنما عني بذلك، وعرف ذنبه، فخر ساجداً لله تعالى أربعين يوماً، وأربعين ليلة، وكانت خطيئته مكتوبة في يده، ينظر إليها لكي لا يغفل حتى نبت البقل حوله من دموعه، ما غطى رأسه، فنودي أجائع فتطعم، أم عار فتكسى، أم مظلوم فتنصر، قال : فنحب نحبة هاج ما يليه من البقل حين لم يذكر ذنبه، فعند ذلك غفر له، فإذا كان يوم القيامة قال له ربه :« كن امامي فيقول أي رب ذنبي ذنبي... فيقول الله : كن خلفي فيقول له : خذ بقدمي فيأخذ بقدمه ».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب ﴾ قال : إن داود عليه السلام قال : يا رب قد أعطيت إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، من الذكر ما لو وددت أنك أعطيتني مثله. قال : الله تعالى « إني ابتليتهم بما لم ابتلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به، وأعطيتك كما أعطيتهم » قال : نعم. قال له : فاعمل حتى أرى بلاءك.
فكان ما شاء الله أن يكون، وطال ذلك عليه، فكاد أن ينساه، فبينما هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة، فأراد أن يأخذها، فطارت على كوة المحراب، فذهب ليأخذها، فطارت فاطلع من الكوة، فرأى امرأة تغتسل، فنزل من المحراب فذهب ليأخذها، فأرسل إليها، فجاءته فسألها عن زوجها، وعن شأنها، فأخبرته أن زوجها غائب، فكتب إلى أمير تلك السرية أن يؤمره على السرايا ليهلك زوجها، ففعل فكان يصاب أصحابه وينجو، وربما نصروا.


الصفحة التالية
Icon