قال : رب كيف تغفر لي وأنت حكم عدل لا تظلم أحداً؟ قال « إني أقضيك له، ثم استوهبه دمك، ثم أثيبه من الجنة حتى يرضى » قال : الآن طابت نفسي، وعلمت أن قد غفرت لي. قال الله تعالى ﴿ فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لَزُلْفى وحسن مآب ﴾.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني رضي الله عنه في قوله ﴿ وهل أتاك نبأ الخصم ﴾ فجلسا فقال لهما قضاء فقال أحدهما إلى الآخر ﴿ أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ﴾ فعجب داود عليه السلام، وقال ﴿ لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ﴾ فاغلظ له أحدهما وارتفع. فعرف داود إنما ذلك بذنبه، فسجد فكان أربعين يوماً وليلة لا يرفع رأسه إلا إلى صلاة الفريضة حتى يبست، وقرحت جبهته، وقرحت كفاه وركبتاه، فاتاه ملك فقال : يا داود إني رسول ربك إليك، وإنه يقول لك ارفع رأسك فقد غفرت لك فقال : يا رب كيف وأنت حكم عدل كيف تغفر لي ظلامة الرجل؟ فترك ما شاء الله، ثم أتاه ملك آخر فقال : يا داود إني رسول ربك إليك، وإنه يقول لك، إنك تأتيني يوم القيامة وابن صوريا تختصمان إليّ، فأقضي له عليك، ثم أسألها إياه فيهبها لي، ثم أعطيه من الجنة حتى يرضى.
وأخرج ابن جرير والحاكم عن السدي قال : إن داود عليه السلام قد قسم الدهر ثلاثة أيام : يوماً يقضي فيه بين الناس، ويوماً يخلو فيه لعبادة ربه، ويوماً يخلو فيه بنسائه، وكان له تسع وتسعون امرأة، وكان فيما يقرأ من الكتب قال : يا رب أرى الخير قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي. فاعطني مثل ما أعطيتهم، وافعل بي مثل ما فعلت بهم، فأوحى الله إليه « إن آباءك قد ابتلوا ببلايا لم تبتل بها. ابتلى إبراهيم بذبح ولده، وابتلى إسحاق بذهاب بصره، وابتلى يعقوب بحزنه على يوسف، وإنك لم تبتل بشيء من ذلك. قال : رب ابتلني بما ابتليتهم به، واعطني مثل ما أعطيتهم، فأوحى الله إليه : إنك مبتلي فاحترس.
فمكث بعد ذلك ما شاء الله تعالى أن يمكث، إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة حتى وقع عند رجليه، وهو قائم يصلي، فمدَّ يده ليأخذه فتنحى، فتبعه فتباعد حتى وقع في كوّة، فذهب ليأخذه، فطار من الكوّة، فنظر أين يقع، فبعث في أثره، فابصر امرأة تغتسل على سطح لها، فرأى امرأة من أجمل الناس خلقاً، فحانت منها التفاتة فابصرته، فالتَفَّتْ بشعرها فاستترت به، فزاده ذلك فيها رغبة، فسأل عنها، فاخبر أن لها زوجاً غائباً بمسلحة كذا وكذا.


الصفحة التالية
Icon