فقام فنحاه عن مكانه وقال ﴿ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ﴾ فركض برجله، فنبعت عين فقال : اغتسل. فاغتسل منها، ثم جاء أيضاً فقال ﴿ اركض برجلك ﴾ فنبعت عين أخرى. فقال له : اشرب منها، وهو قوله ﴿ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ﴾ وألبسه الله تعالى حلة من الجنة، فتنحى أيوب، فجلس في ناحية، وجاءت امرأته، فلم تعرفه فقالت : يا عبدالله أين المبتلي الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به، والذئاب؟ وجعلت تكلمه ساعة فقال : ويحك.. ! أنا أيوب قد رد الله عليّ جسدي، ورد الله عليه ماله وولده عياناً ﴿ ومثلهم معهم ﴾ وأمطر عليهم جراداً من ذهب، فجعل يأخذ الجراد بيده، ثم يجعله في ثوبه، وينشر كساءه، فيجعل فيه فأوحى الله إليه : يا أيوب أما شبعت؟ قال : يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن إبليس قعد على الطريق، فاتخذ تابوتاً يداوي الناس فقالت امرأة أيوب : يا عبدالله إن ههنا مبتلي من أمره كذا وكذا.. فهل لك أن تداويه؟ قال : نعم. بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجراً غيره. فأتت أيوب عليه السلام فذكرت ذلك له فقال : ويحك.. ! ذاك الشيطان لله عليَّ إن شفاني الله تعالى أن أجلدك مائة جلدة، فلما شفاه الله تعالى أمره أن يأخذ ضغثاً فأخذ عذقاً فيه مائة شمراخ، فضرب بها ضربة واحدة.
وأخرج ابن أبي حاتم قال : الشيطان الذي مس أيوب يقال له مسوط. فقالت امرأة أيوب ادع الله يشفيك، فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل فقال بعضهم لبعض : ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه، فعند ذلك قال :﴿ ربِ أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٣ ].
وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير رضي الله عنه في قوله ﴿ اركض برجلك هذا ﴾ الماء ﴿ مغتسل بارد وشراب ﴾ قال : ركض رجله اليمنى فنبعت عين، وضرب بيده اليمنى خلف ظهره فنبعت عين، فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : ضرب برجله أرضاً يقال لها الحمامة، فإذا عينان ينبعان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه أن نبي الله أيوب عليه السلام لما اشتد به البلاء إما دعا وإما عرض بالدعاء، فأوحى الله تعالى إليه ﴿ أن اركض برجلك ﴾ فنبعت عين، فاغتسل منها فذهب ما به، ثم مشى أربعين ذراعاً، ثم ضرب برجله فنبعت عين فشرب منها.


الصفحة التالية
Icon