« ما دعاك إلى هذا؟ قال : تصديقاً لله ورسوله، فقال : تعرض لهم، وأعظم الخطر، واجعله إلى بضع سنين. فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال : هل لكم في العود فإن العود أحمد؟ قالوا : نعم. ثم لم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارس، وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية، فقمر أبو بكر فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ : هذا السحت تصدق به ».
وأخرج الترمذي وصححه والدارقطني في الافراد والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في شعب الإِيمان عن يسار بن مكرم السلمي قال : لما نزلت ﴿ الم غلبت الروم... ﴾. كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين الروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك يقول الله ﴿ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ﴾ وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا أهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة ﴿ الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ﴾ فقال ناس من قريش لأبي بكر : ذاك بيننا وبينكم يزعم صاحبك إن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذاك؟ قال : بلى - وذلك قبل تحريم الرهان - فارتهن أبو بكر رضي الله عنه المشركون، وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر : لم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسم بيننا وبينك وسطاً تنتهي إليه قال : فسموا بينهم ست سنين، فمضت الست قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر رضي الله عنه فلما دخلت السنة السابعه ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر رضي الله عنه بتسميته ست سنين قال : لأن الله قال ﴿ في بضع سنين ﴾ فأسلم عند ذلك ناس كثير.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ « أن رسول الله ﷺ قال لأبي بكر رضي الله عنه : لما نزلت ﴿ الم غلبت الروم ﴾ ألا يغالب البضع دون العشر ».
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن شهاب رضي الله عنه قال : بلغنا أن المشركين كانوا يجادلون المسلمين وهم بمكة يقولون : الروم أهل كتاب وقد غلبتهم الفرس، وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل على نبيكم، وسنغلبكم كما غلبت فارس الروم، فأنزل الله ﴿ الم غلبت الروم ﴾ قال ابن شهاب : فاخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : إنه لما نزلت هاتان الآيتان قامر أبو بكر بعض المشركين - قبل أن يحرم القمار - على شيء إن لم تغلب الروم فارس في بضع سنين، فقال رسول الله ﷺ