كنا مع رسول الله ﷺ أربع عشرة مائة، والحديبية بئر، فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض، ودعا ثم صبه فيها تركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.
وأخرج البيهقي عن عروة رضي الله عنه قال :« أقبل رسول الله ﷺ من الحديبية راجعاً، فقال رجل من أصحاب رسول الله ﷺ : والله ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت وصدَّ هدينا، وعكف رسول الله ﷺ بالحديبية ورد رجلين من المسلمين خرجا، فبلغ رسول الله ﷺ قول رجال من أصحابه : إنّ هذا ليس بفتح، فقال رسول الله ﷺ :» بئس الكلام، هذا أعظم الفتح، لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم ويسألوكم القضية ويرغبون إليكم في الإِياب، وقد كرهوا منكم ما كرهوا، وقد أظفركم الله عليهم، وردكم سالمين غانمين مأجورين، فهذا أعظم الفتح. أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في أخراكم، أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا؟ « قال المسلمون : صدق الله ورسوله هو أعظم الفتوح والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا. فأنزل الله سورة الفتح ».
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث في قوله ﴿ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ﴾ قال : نزلت في الحديبية، وأصاب في تلك الغزوة ما لم يصب في غزوة، أصاب أن بويع بيعة الرضوان فتح الحديبية، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبايعوا بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، وفرح المؤمنون بتصديق كتاب الله وظهور أهل الكتاب على المجوس.
وأخرج البيهقي عن المسور ومروان في قصة الحديبية قالا : ثم انصرف رسول الله ﷺ راجعاً فلما كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح من أولها إلى آخرها، فلما أمن الناس وتفاوضوا لم يكلم أحداً بالإِسلام إلا دخل فيه، فلقد دخل في تلك السنين في الإِسلام أكثر مما كان فيه قبل ذلك، فكان صلح الحديبية فتحاً عظيماً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه ﴿ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ﴾ قال : إنا قضينا لك قضاء بيناً، نزلت عام الحديبية للنحر الذي بالحديبية وحلقة رأسه.
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه ﴿ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ﴾ قال : قضينا لك قضاء بيناً.