« أتى رجل لرسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أصابني الجهد، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً فقال :» ألا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله تعالى « فقال رجل من الأنصار، وفي رواية فقال أبو طلحة الأنصاري : أنا يا رسول الله، فذهب به إلى أهله فقال لامرأته : اكرمي ضيف رسول الله ﷺ لا تدخرين شيئاً. قالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية. قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، وتعالي، فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة لضيف رسول الله ﷺ ففعلت ثم غدا الضيف على النبي ﷺ، فقال :» لقد عجب الله من فلان وفلانة وأنزل الله فيهما ﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾ « ».
وأخرج مسدد في مسنده وابن أبي الدنيا في كتاب قري الضيف وابن المنذر عن أبي المتوكل الناجي رضي الله عنه « أن رجلاً من المسلمين مكث صائماً ثلاثة أيام، يمسي فلا يجد ما يفطر فيصبح صائماً حتى فطن له رجل من الأنصار يقال له ثابت بن قيس رضي الله عنه، فقال لأهله : إني ساجيء الليلة بضيف لي فإذا وضعتم طعامكم فليقم بعضكم إلى السراج كأنه يصلحه فليطفئه ثم اضربوا بأيدكم إلى الطعام كأنكم تأكلون فلا تأكلوا حتى يشبع ضيفنا، فلما أمسى ذهب به فوضعوا طعامهم فقامت امرأته إلى السراج كأنها تصلحه فأطفأته، ثم جعلوا يضربون أيديهم في الطعام كأنهم يأكلون ولا يأكلون حتى شبع ضيفهم، وإنما كان طعامهم ذلك خبزة هي قوتهم، فلما أصبح ثابت غدا إلى رسول الله ﷺ فقال :» يا ثابت لقد عجب الله البارحة منكم ومن ضيفكم « فنزلت فيه هذه الآية ﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عمر رضي الله عنه قال : أهدي لرجل من أصحاب رسول الله ﷺ رأس شاة فقال : إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحداً إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأول فنزلت ﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في قوله :﴿ ولو كان بهم خصاصة ﴾ قال : فاقة.
قوله تعالى :﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾.
أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال له : إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال : وما ذاك؟ قال : إني سمعت الله يقول :﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج مني شيء، فقال له ابن مسعود رضي الله عنه : ليس ذاك بالشح، ولكنه البخل، ولا خير في البخل، وإن الشح الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً.


الصفحة التالية
Icon