وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ﴾ قال : هذا حكم حكمه الله بين أهل الهدى وأهل الضلالة ﴿ فامتحنوهن ﴾ قال : كانت محنتهن أن يحلفن بالله ما خرجن لنشوز ولا خرجن إلا حبّاً للإِسلام، وحرصاً عليه، فإذا فعلن ذلك قبل منهن، وفي قوله :﴿ واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ﴾ قال : كن إذا فررن من أصحاب النبي ﷺ إلى الكفار الذين بينهم وبين النبي ﷺ عهد فتزوجن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المسلمين، وإذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين النبي ﷺ عهد فنكحوهن بعثوا بمهورهن إلى أزواجهن من المشركين، فكان هذا بين أصحاب النبي ﷺ وبين أصحاب العهد من الكفار، وفي قوله :﴿ وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم ﴾ يقول : إلى كفار قريش ليس بينهم وبين أصحاب النبي ﷺ عهد يأخذونهم به ﴿ فعاقبتم ﴾ وهي الغنيمة إذا غنموا بعد ذلك ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد في براءة فنبذ إلى كل ذي عهد عهده.
وأخرج ابن مردويه « عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ﴾ إلى قوله :﴿ عليم حكيم ﴾ قال : كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فإذا علموا أن ذلك حق منهن لم يرجعوهن إلى الكفار، وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد له رسول الله ﷺ صداقه الذي أصدقها، وأحلهن للمؤمنين إذا آتوهن أجورهن، ونهى المؤمنين أن يدعوا المهاجرات من أجل نسائهم في الكفار، وكانت محنة النساء أن رسول الله ﷺ أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : قل لهن : إنَّ رسول الله ﷺ بايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئاً، وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة متنكرة في النساء، فقالت : إني إن أتكلم يعرفني وإن عرفني قتلني، وإنما تنكرت فرقاً من رسول الله ﷺ، فسكت النسوة التي مع هند وأبين أن يتكلمن، فقالت هند، وهي متنكرة : كيف يقبل من النساء شيئاً لم يقبله من الرجال؟ فنظر إليها رسول الله ﷺ وقال لعمر رضي الله عنه : قل لهنّ : ولا يسرقن، قالت هند : والله إني لأصيب من أبي سفيان الهنة ما أدري أيحلهنّ أم لا؟ قال أبو سفيان : ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي فهو لك حلال، فضحك رسول الله ﷺ وعرفها، فدعاها فأتته، فأخذت بيده فعاذت به، فقال : أنت هند؟ فقالت : عفا الله عما سلف، فصرف عنها رسول الله ﷺ، وفي قوله :﴿ وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم ﴾ الآية، يعني إن لحقت امرأة من المهاجرين بالكفار، أمر رسول الله ﷺ أن يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق ».


الصفحة التالية
Icon