باب (١) سمعت (٢) أفضل من رأيت من أهل (٣) العلم بالأدب والحذق بهذه الصناعة، مع تقدمه في الكلام - يقول: إن الكلام المنثور يتأتى فيه من الفصاحة والبلاغة ما لا يتأتى في الشعر، لأن الشعر يضيق نطاق الكلام، ويمنع القول من انتهائه، ويصده عن تصرفه على سننه.
وحضره من يتقدم في صنعة الكلام، فراجعه في ذلك، وذكر أنه لا يمتنع أن يكون الشعر أبلغ إذا صادف شروط الفصاحة، وأبدع إذا تضمن أسباب البلاغة.
ويشهد عندي للقول الأخير: أن معظم براعة كلام العرب في الشعر، ولا نجد في منثور قولهم ما نجد في منظومه، وإن كان قد أحدثت البراعة في الرسائل على حد لم يعهد في سالف أيام العرب، ولم ينقل في دواوينهم (٤) وأخبارهم.
وهو، وإن ضيق نطاق القول، فهو يجمع حواشيه، ويضم / أطرافه ونواحيه، فهو إذا تهذب في بابه، ووفى (٥) له جميع أسبابه - لم يقاربه من كلام الآدميين كلام، ولم يعارضه من خطابهم خطاب.
وقد حكي عن " المتنبي " أنه كان ينظر في المصحف، فدخل إليه بعض أصحابه، فأنكر نظره فيه، لما كان رآه (٦) عليه من سوء اعتقاده، فقال له: هذا (٧) المكي على فصاحته كان مفحماً! ! فإن صحت هذه الحكاية عنه في إلحاده عرف بها (٨) أنه كان يعتقد أن الفصاحة في قول الشعر [أمكن] وأبلغ (٩).

(١) هذا العنوان من م (٢) س: " أسمعت "
(٣) م: " من العلم بالادب " ا: " من أهل الادب " (٤) س: " من دواوينهم " (٥) م: " ووفر " (٦) م: " يراه " (٧) ك: " هو " (٨) ك: " عرف لها " (٩) س، ك: " الشعر أبلغ " (*)


الصفحة التالية
Icon