المحذوف كان حذفه أسوغ، ونحو من رفع الأرحام هنا بعد النصب والجر قول الفرزدق:

يأيها المشتكي عُكْلًا وما جَرَمت إلى القبائل من قتل وإبآسُ
إنا كلك إذ كانت هَمرَّجةٌ نَسْبِي ونَقْتُل حتى يُسْلمَ الناس١
أي: من قتل وإبآس أيضًا كذلك، فقوَّى لفظه بالرفع؛ لأنه أذهب في شكواه إياه، وعليه أيضًا قوله:
إلا مُسْحَتا أو مُجَلَّف٢
فيمن قال: أراد أو مجلَّف كذاك.
ومَن حمله على المعنى فرفعه وقال: إذا لم يَدَع إلا مسحتا فقد بقي المسحت وبقي أيضًا المجلَّف، سلك فيه غير الأول.
ومن ذلك ما رواه المفضل عن الأعمش عن يحيى وإبراهيم وأصحابه: "ألا تَقْسِطُوا٣" بفتح التاء.
قال ابن مجاهد: ولا أصل له.
قال أبو الفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد مستقيم غير منكر؛ وذلك على زيادة "لا"، حتى كأنه قال: وإن خفتم أن تَقْسطوا في اليتامى؛ أي: تجوروا. يقال: قسط: إذا جاز، وأقسط: إذا عدل. قال الله جل وعلا: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ ٤، وزيادة "لا" قد شاعت عنهم واتسعت، منه قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ ٥، وقوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا
١ الهمرجة: الاختلاط، ولم نعثر على الشاهد في ديوان الفرزدق، وروى اللسان "همرج" الشطر الأول من البيت الثاني غير منسوب هكذا:
بينا كذلك إذ هاجت همرجة
٢ من قول الفرزدق:
إليك أمير المؤمنين رمت بنا شُعوب النوى والهوجل المتعسف
وعض زمان يابن مَرْوان لم يدع من المال إلا مسحَتا أو مجلَّف
رُوي: "مسحب" بالرفع أيضًا، ورُوي: "مجرف" مكان "مجلف". الهوجل: المفازة البعيدة، المسحت: المبدد، المجلف: الذي أخذ من جوانبه، والذي بقيت منه بقية، وأما المجرف: فمن جرفه إذا ذهب به كله أو أخذه أخذًا كثيرًا. انظر: النقائض: ٢/ ٥٥٦، ٥٥٧، والخزانة: ٢/ ٢٤٧، والديوان: ٥٥٦.
٣ سورة النساء: ٣، وقراءة الجماعة بضم التاء.
٤ سورة الجن: ١٥.
٥ سورة الحديد: ٢٩.


الصفحة التالية
Icon