في مُدُّ، ولا فتحة الميم في شَمَّ، ولا كسرة الراء في فِرِّ؛ لأنهن ثوابت في الوصل الذي عليه معقد القول، وإليه مفزع القياس والصوب١، فكما أن مُدُّ أقيس إتباعًا من: اقتل؛ لما ذكرنا من الوصل المرجوع إليه المأخوذ بأحكامه، ولأن السبب أيضًا أسبق رتبة من المسبب، فكذلك "الحمدُ لُله" أسهل مأخذًا من "الحمدِ لِله".
والآخر: أن ضمة الدال في "الحمدُ" إعراب، وكسرة اللام في "لِله" بناء، وحرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء، فإذا قلت "٤و": "الحمدُ لُله" فقريب أن يغلب الأقوى الأضعف، وإذا قلت: "الحمدِ لِله" جنى البناء الأضعف على الإعراب الأقوى، مضافًا ذلك إلى حكم تغيير الآخِر الأول، وإلى كثرة باب عُنُق وطُنُب في قلة باب إِبِل إِطِل فاعرفه، ومثل هذا في إتباع الإعراب البناء ما حكاه صاحب الكتاب٢ في قول بعضهم:
وقال اضرب الساقين إِمِّك هابل٣
كسر الميم لكسرة الهمزة، ثم من بعد ذلك أنك تفيد من هذا الموضع ما تنتفع به في موضع آخر؛ وهو أن قولك: "الحمدُ لُله" جملة، وقد شبه جزآها معًا بالجزء الواحد -وهو مد أو عنق- فيمن أسكن ثم أتبع، أو السُّلُطان أو القُرُفْصاء أو الْمُنْتُن، دل ذلك على شدة اتصال المبتدأ بخبره؛ لأنه لو لم يكن الأمر عندهم كذلك لما أجروا هذين الجزأين مجرى الجزء الواحد، وقد نَحَوْا هذا الموضع الذي ذكرته لك في نحو قولهم في تأبط شرًّا: تأَبطي، وقولهم في رجل اسمه زيد أخوك: زيدي، فحذفوا الجزء الثاني، كما يحذفون الجزء الثاني من المركب في نحو قولهم في حضرموت: حضرمي، وفي رام هرمز: رامي، وكما يقولون أيضًا في طلحة: طَلْحي، فاعرف ذلك دليلًا على شدة اتصال المبتدأ بخبره، وما علمت أحدًا من أصحابنا نَحَا هذا الموضع على وضوحه لك، وقوة دلالته على ما أثبته في نفسك.
ومثله أيضًا في الدلالة على هذا المعنى قراءة ابن كثير: "فَإِذَا هِيَ تلَقَّفُ"٤، ألا ترى إلى تسكين حرف المضارع من "تَلَقَّف"؟ فلولا شدة اتصاله بما قبله للزم منه تصور الابتداء

١ الصوب: القصد، وفي ك: الضرب.
٢ الكتاب: ٢/ ٢٧٢.
٣ هابل: ذات هبل، من هبلته: أي ثكلته وعدمته، وفعله كفرح. انظر الخصائص: ٢/ ١٤٥، ٣: ١٤١، وشرح شواهد الشافية: ١٧٨.
٤ سورة الأعراف: ١١٧، وفي البحر المحيط ٤/ ٣٦٣: وقرأ حفص "تَلْقَفُ" بسكون اللام من لقف، وقرأ باقي السبعة "تلقف" مضارع تلقف، حذفت إحدى تاءيه إذ الأصل تتلقف، وقرأ البزي بإدغام تاء المضارعة في التاء"، هذا والبزي يروي عن ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon