وحدثنا أبو علي قال: لقي أبو زيد سيبويه فقال: سمعت العرب تقول: قَرَيْتُ وتوضيت، فقال له سيبويه: فكيف تقول في المضارع؟ قال: أَقرأُ. هذا آخر الحكاية عن أبي علي١.
وزاد أبو العباس محمد بن يزيد فيها: فقال له سيبويه: فقد تركت إذن مذهبك.
ونحوه قراءة: "أن تَبَوَّيَا"٢.
ويجوز على هذه القراءة "أَنْبِهُم" على أصل حركة الهاء وهو الضم؛ كقراءة مَن قرأ: "فخسفنا بِهُو وبدارِهُو الأرض"٣.
وأما قراءته على الرواية الأخرى: "أَنبيهُم" فهو على قياس التخفيف الصريح، ولك في هذه الهاء على "١٢و" هذه القراءة الضم والكسر.
أما الضم٤ فمن وجهين:
أحدهما: وهو الأظهر؛ إخراجها على الأصل فيه.
والآخر: وفيه الصنعة؛ وهو أن هذه الياء ليست بلازمة؛ وإنما اجتلبها تخفيف الهمزة؛ وذلك أن الهمزة إذا سكنت مكسورًا ما قبلها فتخفيفها القياسي أن تخلصها في اللفظ ياء، وذلك قولك في ذئب: ذيب، وفي بئر: بير، فقوله: "أَنبِيهم" بياء ساكنة ينبغي أن يكون على التخفيف القياسي، لا على أنه أبدل الهمزة ياء إبدالًا مستكرهًا على حد قولهم في البدل: قريب كأعطيت، فإنما كان ذلك كذلك من قِبَل أنه لو أَبدل لكان قد أَخرج الهمزة على أصلها إلى ذوات الياء، ولو كان فعل ذلك لوجب حذفه كما تحذف لام: أَعطيت وأَغزيت للوقف والجزم، كما حذفها في القراءة الأخرى لما أبدل فقال: "أَنْبِهِمْ"، ولو اعتقد أنه قد أبدل ألبتة لما جاز إثبات الياء في موضع الوقف، كما لا يجوز: أَعطيهم ولا أَغزيهم، إلا أن يحمل ذلك على الضرورة، وإثبات الياء في موضع الجزم والوقف؛ كقوله:
ألم يأْتيك والأنباء تنمي | بما لاقت لبونُ بني زياد ٥ |
٢ سورة يونس: ٨٧، وفي البحر ٥/ ١٨٦: "قرأ حفص في رواية هبيرة: "تبويا" بالياء، وهو تسهيل غير قياسي، ولو جرى على القياس لكان بين الهمزة والألف".
٣ سورة القصص: ٨١.
٤ سيأتي ذكر وجه الكسر في الصفحة: ٧٠.
٥ البيت لقيس بن زهير العبسي، ويُروى: "ألم يبلغك" مكان "ألم يأتيك". الكتاب: ٢/ ٥٩، والنوادر: ٢٠٣، والأغاني: ١٦/ ٢٨.