وأما قوله: "لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا" فإن همزة "اسجدوا" يحذفها في الواصل ألبتة، وإذا كانت محذوفة ألبتة لم يكن إلى تخفيفها سبيل؛ لأن الوصل يستهلكها أصلًا، فحركة ماذا -يا ليت شعري! - تنقل وقد حُذف المتحرك بحركته أصلًا فلم يبقَ إلا الإتباع، وحركة الإتباع لا تبلغ مبلغ حركة تخفيف الهمز؛ من حيث كانت "١٣ظ" حركة الهمزة موجودة فيها في الابتداء والوصل جميعًا، فعلمت بذلك قوتها، وحركة الإتباع تجري مجرى الصدى الذي لا اعتداد به، ولا هو عندهم مما يعقد على مثله، فإذا ضعفت الحركة القوية فما ظنك بالحركة الضعيفة؟
ونحو من هذه الحكاية عن أبي عبيدة: مارواه أحمد بن يحيى: قال: كنا عند سعيد بن سَلْم١ أنا وابن الأعرابي فخرجا لصلاة العصر، وتأخَّرت لتجديد الطهر بعدهما، فلما خرجتُ قال لي ابن الأعرابي: أين أنت؟ ألا تسمع لهذا؟ قلت: ما هو؟ وإذا أبو سَرَّار الغنوي يتحدث، قال:
كنت أحضر العراق فإذا أردت أهلي وقد اشتريت منها وتبتَّتُّ٢ أجتاز بامرأة عجوز لها بنيَّات، فإذا نزلت عليها بَهَشْن٣ إلَيَّ وأَطَفْن بِي، فأَفرز لهن مما اشتريت شيئًا أدفعه إليهن، فغبرت زمانًا، ثم جئت العجوز فوجدتها غائبة عن بيتها، وإذا أولئك الجواري قد صرن نساء، فبهشن إليَّ على عادتهن، وجاءت العجوز فوجدَتني خاليًا معهن، فقالت: ما هذا؟ أفي السَّوَتَنْتُنَّه؟ أفي السوتنتنه؟ فقلت: وما في هذا؟ أردات: أفي السوءة أنتنه؟ فحذفت الهمزة من السوءة تخفيفًا، وألقت حركتها على الواو فانفتحت الواو، وألقت حركة الهمزة في أنتنه على كسرة التاء من السوءة فانفتحت، وحذفت همزة أنتنه فصارت: أفي السوتنتنه؟ ٤
هكذا قال أحمد بن يحيى على كسرة التاء، وله وجه، إلا أنه مع هذا ضعيف؛ وذلك أن هذه الهمزة إذا خففت فحذفت، وألقيت حركتها على ما قبلها، لم يكن ذلك الذي قبلها إلا ساكنًا، نحو قوله تعالى في قراءة ورش عن نافع: "قَدَ افْلَحَ الْمُومِنُونَ"٥، "وَالَارْض".
وحكى أبو زيد في خُبَأَة٦: انه سمع بعضهم يقرأ: "ويمسك السماء أن تقع عَلَّرضِ"٧، يريد: على
٢ تبتت: تزودت.
٣ بهش إليه: ارتاح وخف بارتياح.
٤ انظر: الخصائص: ٣/ ١٤٢.
٥ سورة المؤمنون: ١.
٦ امرأة خبأة: لازمة بيتها.
٧ سورة الحج: ٦٥.