لأن الحوت يأكل كثيرًا، ولا يجوز فيه الهمز، فلهذه العلة هُمز الذئب ولم يهمز الحوت.
وفيه معنى آخر: لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جمعه، وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه | أنت عندي من أذؤب ضاريات١ |
فيقول في باب الحروف الخمسة التي تعمل فيما بعدها كعمل الفعل فيما بعده: "وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب مَن يقول: إِنْ عمرًا لمنطلق، وأهل المدينة يقرءون: "وَإِنْ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ" يخففون وينصبون، كما قالوا:
كأَنْ ثدييه حقان
وذلك لأن الحرف بمنزلة الفعل، فلما حذف من نفسه شيء لم يغير عمله كما لم يغير عمل: لم يك، ولم أبل، حين حذف. وأما أكثرهم فأدخلوها في حروف الابتداء بالحذف كما أدخلوها في حروف الابتداء حين ضموا إليها ما"٢.
وقال في باب الفاء: "وقال عز وجل: ﴿فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ﴾ فارتفعت لأنه لم يخبر عن الملَكين أنهما قالا: لا تكفر فيتعملون؛ ليجعلا كفره سببًا لتعليم غيره؛ ولكنه على كفروا فيتعلمون، ومثله: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾، كأنه قال: إنما أمرنا ذاك فيكون"٣.
وفي كتب معاني القرآن تخريجات لاختلاف الإعراب، واحتجاج لوجوه هذا الاختلاف، ونذكر على سبيل المثال كلام أبي يحيى زكريا الفراء -المتوفَّى سنة ٢٠٧- عن آية: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ﴾ ٤، وآية: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ ٥.
وبدا لبعض القراء أن يجمعوا القراءات المختلفة، ويبحثوا عن أسنادها، فكان هارون بن موسى الأعور -المتوفَّى قبل سنة ٢٠٠- أول مَن سمع بالبصرة وجوه القراءات، وألَّفها، وتتبع الشاذ منها، فبحث عن أسناده فيما يقول عنه أبو حاتم السجستاني٦.
١ إنباه الرواة: ٢/ ٢٥٨.
٢ الكتاب: ١/ ٢٨٣.
٣ الكتاب: ١/ ٤٣٢.
٤ معاني القرآن: ١/ ١٠٥.
٥ المصدر السابق: ٢١٠.
٦ طبقات القراء: ٢/ ٣٤٨.
٢ الكتاب: ١/ ٢٨٣.
٣ الكتاب: ١/ ٤٣٢.
٤ معاني القرآن: ١/ ١٠٥.
٥ المصدر السابق: ٢١٠.
٦ طبقات القراء: ٢/ ٣٤٨.