أبدا إذا كان ضمير الشأن والقصة، كقوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ١، فـ"الله أحد" خبر عن "هو"، و"هو" ضمير الشأن والحديث، ولا عائد عليه من الجملة بعده التي هي "الله أحد"، وإنما كان كذلك من قبل أن المبتدأ إنما احتاج إلى العائد من الجملة بعده إذا كانت خبرًا عنه؛ لأنها ليست هي المبتدأ، فاحتاجت إلى عود ضمير منها عليه؛ ليلتبس٢ بذلك الضمير بجملته.
وأما "هو" من قولنا: "هُوَ اللَّهُ رَبِّي" ونحوه فهو الجملة نفسها، ألا تراه ضمير الشأن، وقولنا: الله ربي٣ شأن وحديث في المعنى؟ فلما كانت هذه الجملة هي نفس المبتدأ لم يحتج إلى عائد عليه منها، وليس كذلك: زيد قام أخوه؛ لأن زيدا ليس بقولك: قام أخوه في المعنى، فلم يكن له بد من أن يعود عليه ضمير منه ليلتبس به؛ فيصير خبرا عنه. ومن قرأ: "لَكِنْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي" فـ"هو" ضمير الشأن، والجملة بعده خبر عنه على ما مضى آنفا٤، وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار٥: "مَجْمِعَ الْبَحْرَيْن٦".
قال أبو الفتح: المصدر من فَعَلَ يفعَل والمكان والزمان٧ كلهن على مَفْعَل بالفتح، كقولك: ذهبت مذْهَبًا، أي: ذهابا، ومذهبا، أي: مكانا يذهب فيه. وهذا مذهبك أي: زمان ذهابك، وكذلك سأل يسأل مَسْألا، فهو مصدر ومكان وزمان٨، وبعث يبعث مَبْعَثًا وهو مصدر ومكان وزمان. ومنه: مبْعَثُ الجيوش، هو زمان بعثها، إلا أنه قد جاء المفعِلُ بكسر العين موضع المفتوح، منه: المشرِق، والمغرِب، والمنسِك، والمطلِع. وبابه فتح عينه لأنه من يَفْعُل، يشرُق، ويغرُب، وينسُك، ويطلُع. فعلى نحو من هذا يكون "مَجْمِعَ الْبَحْرَيْن" وهو مكان -كما ترى- من جمع يجمع، فقياسه "مجْمَع"، لولا ما ذكرنا من الحمل على نظيره.
٢ يريد ليخالطه ويتصل به.
٣ في ك: الله شأن.
٤ في ك: أيضا.
٥ مولى عبيد الله التيمي من قريش، كما في طبقات ابن سعد: ٧: ٢٣٩.
٦ سورة الكهف: ٦٠، وفي ك، مجمع، بدون البحرين.
٧ ف ك: والزمان والمكان.
٨ في ك: وزمان ومكان.