أن يعتقد منقلبة عن الواو. على ذلك وجدنا سرد اللغة عند اعتبارنا له، ولذلك حمل الخليل ألف آءَة١ على أنها من الواو، فقال: كأنها من أُؤتُ٢. وبمثل ذلك ينبغي أن يحكم في راءَة٣ وصاءَة٤، حتى كأنها في الأصل روَأة وصوَأة. فهذا قول جامع في هذا الضرب من الألِفات، فَاغْنَ به عما وراءه.
ومن ذلك قراءة الحسن أيضا: "ذَكَّرَ رَحْمَة رَبِّكَ٥".
قال أبو الفتح: فاعل: ذَكَّرَ ضمير ما تقدم، أي: هذا المتلو من القرآن الذي هذه الحروف أوله وفاتحته يُذَكِّرُ رحمةَ ربِّكَ، فهو كقوله "تعالى": ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ٦﴾. وعلى هذا أيضا يرتفع قوله: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾، أي: هذا القرآن ذكر رحمة ربك. وإن شئت كان تقديره: مما يُقَصُّ عليك، أو يُتْلَى عليك ذِكْرُ رحمةِ ربِّك عبدَهُ زَكَرِيَّا.
ومن ذلك قراءة عثمان وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن العاص٧ وابن يعمَر وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وشُبَيل بن عزرة٨: "خَفَّتِ الْمَوَالِي٩"، بفتح الحاء والتاء مكسورة.
قال أبو الفتح: أي قَلَّ بنو عمي وأهلي، ومعنى قوله -والله أعلم: "مِنْ وَرَائي"، أي مَنْ أُخَلِّفُه بعدي. قوله: "مِنْ وَرَائي" حال متوقَّعَة محكية. أي: خَفُّوا مُتوقَّعًا مُتصوَّرًا
٢ أؤت: جاء به على الأصل فهمز. وأوت الأديم: دبغته.
٣ الراءة: واحدة الراء، وهو شجر.
٤ الصاءة: الماء الذي في السَّلى، أو على رأس الولد، والسلى: الجلدة فيها الولد من الناس والمواشي.
٥ سورة مريم: ٢.
٦ سورة الإسراء: ٩.
٧ هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، ولد عام الهجرة، وهو أحد أشراف قريش، ممن جمع السخاء والفصاحة، وأحد الذين كتبوا المصحف لعثمان رضي الله عنه.
استعمله عثمان على الكوفة. وتوفي في خلافة معاوية سنة ٥٩. الاستيعاب: ٢: ٦٢١.
٨ هو شبيل بن عزرة الضبعي من خطباء الخوارج وعلمائهم، وكان أولا شيعيا نحو سبعين سنة، ثم انتقل إلى الشراة. أقام بالبصرة، وأخذ الناس عنه الغريب، ولم يزل بها إلى أن مات. إنباه الرواة: ٢: ٧٦.
٩ سورة مريم: ٥.