الدلالة اليوم عَلَيَّ، أي: هذا صراط في ذمتي وتحت ضماني، كقولك: صحة هذا المال عَلَيَّ، وتوفية عِدَتِهِ عَلَيَّ. وليس معناه عنده أنه مستقيم عَلَيَّ، كقولنا: قد استقام عَلَيَّ الطريق، واستقر عَلَيَّ كذا. وما أحسن ما ذهب إليه أبو الحسن فيه!
ومن ذلك قراءة الزهري: "لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزٌّ مَقْسُومٌ١".
قال أبو الفتح: هذه لغة مصنوعة، وليست على أصل الوضع. وأصلها "جُزْء" فُعْل من جزأْت الشيء، وهو قراءة الجماعة إلا أنه خفف الهمزة، فصارت "جُزُ"، لأنه حذفها وألقى حركتها على الزاي قبلها، ثم إنه نوى الوقف على لغة من شدد نحو ذلك في الوقف، فقال: هذا خالدّ وهو يجعلّ، فصارت في الوقف "جُزّ"، ثم أطلق وهو يريد نية الوقف وأقر٢ التشديد بحاله فقال: "جُزّ" كما قالوا في الوصل: سبسبّا، وكلكلّا٣.
وقد أنشدنا شواهد نحو ذلك فيما مضى. ومثله الخبّ فيمن وقف عليه بالتشديد، ويريد تخفيف الخبْء٤، وهو مشروح في باب الهمز؟
ومن ذلك قراءة الحسن: "لَا تُوجَلْ"٥.
قال أبو الفتح: هذا منقول من وَجِلَ يَوْجَلُ، وَجِل وأَوْجَلْتُه، كفَزِعَ وأَفْزَعَتُه، وَرَهِبَ وأَرْهَبْتُه.
ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش وطلحة بن مصرف، ورويت عن أبي عمرو: "من القَنِطِين٦"
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون في الأصل "القانِطِين" كقراءة الجماعة؛ إلا أن العرب قد تحذف ألف فاعل في نحو هذا تخفيفا.

١ سورة الحجر: ٤٤
٢ في ك: فأقر.
٣ انظر المحتسب: ١: ١٤٨، ١٤٩
٤ الخبء: ما خبئ وغاب، ومن الأرض النبات، ومن السماء القطر.
٥ سورة الحجر: ٥٣
٦ من قوله تعالى: في سورة الحجر الآية: ٥٥ ﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ﴾.


الصفحة التالية
Icon