ومن ذلك قراءة طلحة: "فَإِمَّا تَرَيِنَ١".
وروى عن أبي عمرو: "تَرَئِنَّ"، بالهمز.
قال أبو الفتح: الهمز هنا ضعيف؛ وذلك لأن الياء مفتوح ما قبلها، والكسرة فيها لالتقاء الساكنين؛ فليست محتسبة أصلا، ولا يكثر مستثقَلُه، وعليه قراءة الجماعة: ﴿تَرَيِنَّ﴾، بالياء لما ذكرنا٢. غير أن الكوفيين قد حكوا الهمز في نحو هذا، وأنشدوا:
كَمُشْتَرِئ بِالْحَمْدِ أَحْمِرَةً بُتْرَا٣
نعم، وقد حكى الهمز في الواو التي هي نظيرة الياء في قول الله: "تعالى": ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ﴾ ٤، فشبه الياء لكونها ضميرا وعلم تأنيث بالواو؛ من حيث كانت ضميرا وعلم تذكير. وهذا تعذر ما وليس قويا، ولا تُرَيَنَّ هذه الهمزة هي همزة رأيت، تلك قد حذفت للتخفيف في أصل الكلمة "تَرْأَيْنَ"؛ فحذفت الهمزة، وألقيت حركتها على الراء فصارت "تَرَيْنَ"، فالهمزة الأصلية إذا محذوفة، وغير هذه الملفوظ بها.
وأما قراءة طلحة: "فَإِمَّا تَرَيِن" فشاذة، ولست أقول إنها لحن لثبات علم الرفع، وهو النون في حال الجزم، لكن تلك لغة: أن تثبت هذه النون في الجزم، وأنشد أبو الحسن:

لَوْلَا فَوَارِسُ مِنْ قَيْسٍ وَأُسْرَتِهِمْ يَوْمَ الصُّلَيْفَاءِ لَمْ يُوفُونَ بِالْجَارِ٥
كذا أنشده "يُوفُونَ" بالنون، وقد يجوز أن يكون على تشبيه "لم" بلا.
ومن ذلك قراءة أبي نهيك وأبي مجلز: "وبِرًّا٦"، بكسر الباء.
١ سورة مريم: ٢٦.
٢ في ك: بالياء، بدون "لما ذكرنا".
٣ روي بالخيل مكان بالحمد. والبتر: جمع أبتر، وهو المقطوع الذنب. "الخصائص: ٣: ٢٧٩، وشرح شواهد الشافية: ٤٠٩".
٤ سورة آل عمران: ١٨٦.
٥ روي ذهل وجرم مكان قيس، وروي مكانها أيضا نعم، وهذه تحريف. وروى أسرتهم بالرفع معطوفا على فوارس، وبالجر معطوفا على ذهل. وذهل: اسم لقبيلتين: ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة، والأخرى ذهل بن ثعلبة بن عكاية. وهما من ربيعة. والصليفاء: مصغر صلفاء، وهي الأرض الصلبة، والمكان أصلف. ويقال: صلفاء، كجرباء، والجمع الأصالف والصلافي. ويوم الصلفاء: من أيام العرب، لكن الشاعر صغره. وهو لهوازن على فزارة وعبس، وانظر اللسان "صلف"، والخزانة: ٣: ٦٢٦، والبيت فيهما غير منسوب.
٦ سورة مريم: ٣٢.


الصفحة التالية
Icon