قال أبو الفتح: هو معطوف على موضع الجار والمجرور من قوله: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ ١﴾، كأنه قال: ألزمني بِرًّا، وأشعرني بوالدتي؛ لأنه إذا أوصاه به؛ فقد ألزمه إياه. وعليه بيت الكتاب:
يَذْهَبْنَ فِي نَجْدٍ وَغَوْرًا غَائِرَا٢*
أي: ويسلكن غورا، وبيته أيضا:

فَإنْ لَمْ تَجِدْ مِنْ دُونِ عَدْنَانَ وَالِدًا وَدُونَ مَعْدٍّ فَلْتَزَعْكَ الْعَوَاذِلُ٣
عطف "دونَ" الثانية على موضع "من دونِ" الأولى، نظائره كثيرة جدًّا. وإن شئت حملته على حذف المضاف، أي: وجعلني ذا برّ، وإن شئت جعلته إياه على المبالغة، كقولها٤:
فإنما هي إقبالٌ وإدبارٌ
على غير حذف المضاف.
ومن ذلك قراءة طلحة: "وريًِا"٥، خفيفة بلا همز.
١ في الآية: ٣١ من سورة مريم.
٢ للعجاج يصف ظعائن منتجعات، يأتين مرة نجدا، وهو ما ارتفع من بلاد العرب، ومرة الغور، وهو ما انخفض من بلادها. ولم نعثر على الشاهد في ديوان العجاج، وانظر الكتاب: ١: ٢٤٩
٣ البيت للبيد من قصيدة في رثاء النعمان بن المنذر. وروي باقيا مكان والد. وتزعك: تكفك. والعواذل: يريد بها ما يزع من حوادث الدهر وزواجره، وإسناد العذل إليها مجاز. أي: لم يبق لك أب حي إلى عدنان، فكف عن الطمع في الحياة. الديوان: ٢٥٥، والكتاب: ١: ٣٤، والخزانة: ١: ٣٣٩.
٤ في هامش الأصل: أي: الخنساء. وصدره:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
والبيت من قصيدة ترثي بها الخنساء أخاها صخرا. وضمير ترتع للعجول المذكورة في قولها:
فما عجول على بو تطيف به قد ساعدتها على التحنان اظآر
والعجول: الثكلى، تريد بها الناقة. والبو: جلد ولد الناقة إذا مات حين تلده أمه، يحشى تبنا، ويدنى منها فتشمه، وترأمه، وتدر عليه. والتحنان: الحنين. والأظآر: جمع الظئر، وهي العاطفة على ولد غيرها، المرضعة له في الناس وغيرهم، تريد أن وجدها لأخيها لا يقل عن وجد ناقة ثكلى، كلما غفلت عن ولدها أقبلت ترتع، فإذا ذكرته حنت إليه، وجعلت تقبل وتدبر ذاهلة حيرى. انظر الديوان: ٤٨، والكتاب: ١: ١٦٩، والخزانة ١: ٢٠٧.
٥ سورة مريم: ٧٤.


الصفحة التالية
Icon