خَفَاهُنَّ مِن أَنْفَاقِهِنَّ كأنَّما خَفَاهُنَّ وَدْقُ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلّب١
فهذا إذًا أكاد أُظهرها، وقيل: أكادُ أخفيها من نفسي. وفي هذا ضرب من التصوف وقيل: أكاد أخفيها: أريد أخفيها، وأنشد أبو الحسن شاهدا له:
كَادَتْ وَكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ لَوْ عَادَ مِن لَهْوِ الصَّبابَةِ مَا مَضَى٢
فكأنه قال: أرادت وأردت: لقوله: وتلك خير إرادة. وقيل: أكاد هنا زائدة. أي: أخفيها وأنشدوا فيه لحسان:
وتَكَادُ تَكْسَلُ أنْ تَجِيءَ فِرَاشَهَا فِي جِسْمِ خَرعَبَة وَحُسْنِ قَوَام٣
فإذا كان "أَخْفِيها" بالفتح أو "أُخْفِيها" بمعنى أظهرها فاللام في قوله: "لِتُجْزَى" معلَّقةٌ بنفس "أخفيها"، ولا يحسن الوقف دونها.
وإذا كان من معنى الإخفاء والستر فاللام متعلقة بنفس "آتية". أي: إن الساعة آتية لِتُجْزَى كل نفس بما تسعى، أكاد أخفيها. فالوجه أن تقف بعد "أخفيها" وقفة قصيرة. أما الوقفة فلئلا يظن أن اللام معلَّقةٌ بنفس "أخفيها"، وهذا ضِد المعنى، لأنها إذا لم تظهر لم يكن هناك جزاء، إنما الجزاء مع ظهورها. فأما قصر الوقفة فلأن اللام متعلقة بنفس "آتية"، فلا يحسن إتمام الوقف دونها؛ لاتصال العامل بالمعمول فيه. وهذه الوقفة القصيرة ذكرها أبو الحسن، وما أحسنَها وألطفَ الصنعةَ فيها!
ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو -بخلاف عنهما: "هِيَ عَصَايِ"٤ بكسر الياء، مثل غلامي٥.
١ روي محلب مكان مجلب، وضمير خفاهن للفئران. والأنفاق: الأسراب تحت الأرض، وأحدها نفق. والودق: المطر، وخص مطر العشي لأنه أغزر. والمجلب: الذي تسمع له جلبة لشدة وقعه. والمحلب، بالحاء: الذي يتحلب المطر. وصف العشي به على معنى فخرجت الفئرة من أحجارها تظنه مطرا خشية أن يغرقها. وانظر الديوان: ٥١.
٢ انظر الصفحة ٣١ من هذا الجزء.
٣ الخرعبة الشابة الحسنة الجسيمة في قوام كأنه الخرعوبة، وهي القضيب السامق الغض. وانظر الديوان: ٩٤.
٤ سورة طه: ١٨، وفي ك: هذه عصاي، والصواب ما هنا.
٥ سيبين ابن جني بعد قليل أن لا وجه لتشبيه ياء "عصاي" بياء غلامي.


الصفحة التالية
Icon