لهما، وكذلك قوله: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ ليس في جملة ما دل عليه الموعد لما قدمناه، كأنه مميز من الزينة في اعتقادك إياه مجرورا؛ لأنه معطوف عليها.
وأما من رفع فقال: "يَوْمُ الزِّينَةِ" فإن الموعد عنده ينبغي أن يكون زمانا، فكأنه قال: وقت وعدي يوم الزينة، كقولنا: مبعث١ الجيوش شهر كذا، أي: وقت بعثها حينئذ. والعطف عليه بقوله: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ يؤكد الرفع؛ لأن "أن" لا تكون ظرفا. ألا ترى أن من قال: زيارتك إياي مقدم الحاج لا يقول: زيارتك إياي أن يقدم الحاج؟ وذلك أن٢ لفظ المصدر الصريح أشبه بالظرف من "أن" وصلتها التي بمعنى المصدر، إذا كان اسما لحدث، والظرف [١٠٠و] اسم للوقت، والوقت يكاد يكون حدثا. وعلى كل حال فلست تحصل من ظرف الزمان على أكثر من الحدث الذي هو حركات الفلك، فلما تدانيا هذا التداني ساغ وقوع أحدهما موقع صاحبه.
وأما "أن" فحرف موصول، جعل بدل لفظه على أنه في معنى المصدر. وما أبعد هذا عن الظرفية! وقد استقصينا القول على ذلك في كتابنا الخصائص٣ وغيره من مصنفاتنا وينبغي أيضا أن يكون على حذف المضاف، أي: وقت وعدكم يوم الزينة ووقت حشر الناس؛ لأن الحشر في الحقيقة ليس وقتا، كما أن: قولك: ورودك مقدم الحاج إنما هو على حذف المضاف، أي: وقت مقدم الحاج وكذلك، خفوق النجم وخلافة فلان. فاعرف ذلك.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود والجحدري وأبي عمران الجوني وأبي نهيك وأبي بكرة وعمرو بن فائد: "وَأَنْ يَحْشُرَ النَّاسَ ضُحًى"٤.
قال أبو الفتح: الفاعل هنا مضمر، أي: وأن يحشر الله الناس، فهذا كقوله "سبحانه": ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا٥﴾، وجميع هذا يراد به العموم، أي: يحشرهم قاطبة وطُرًّا

١ في ك: بعث وهو تحريف.
٢ في ك: لأن.
٣ لعله يريد كلامه في الخصائص "٣: ٩٨" عن دلالة الفعل على المصدر والزمن.
٤ سورة طه: ٥٩.
٥ سورة الأنعام: ٢٢، وسورة يونس: ٢٨.


الصفحة التالية
Icon