ولا يكون١ حالا كقوله "سبحانه": ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾ ٢ ويدل عليه أيضا قوله: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ ٣.
ومن ذلك قراءة الحسن والثقفي: "تُخَيَّلُ"٤، بالتاء.
قال أبو الفتح: هذا يدل على أن قوله "تعالى": ﴿أَنَّهَا تَسْعَى﴾ بدل من الضمير في "تُخَيَّلُ" وهو عائد على الحبال والعصي، كقولك: إخوتك يعجبونني أحوالهم. فأحوالهم بدل من الضمير العائد عليهم بدل الاشتمال.
ومنه قوله "تعالى": ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ ٥ فيمن جعل "الأبواب" بدلا من الضمير في "مفتحة"، وهذا أمثل من أن يعتقد خلو "تُخَيَّلُ" من ضمير يكون ما بعده بدلا منه، لكن يؤنث الفعل لتضمن ما بعد أن لفظ التأنيث، كقراءة من قرأ: "لا تَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا"٦ لأنه أسهل وأسرح٧ من إتعاب الإعراب والتعسف به من باب إلى باب.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود وأُبي بن كعب وعبد الله بن الزبير ونصر بن عاصم والحسن وقتادة وابن سيرين -بخلاف، وأبي رجاء: "فَقَبَصْتُ قَبْصْةً٨"، بالصاد فيهما.
وقرأ: "قُبْصْةً"، بالصاد وضم القاف الحسن، بخلاف.
قال أبو الفتح: القبض بالضاد معجمة باليد كلها، وبالصاد غير معجمة بأطراف الأصابع. وهذا مما قدمت إليك في نحوه تقارب الألفاظ لتقارب المعاني، وذلك أن الضاد لتفشيها واستطالة مخرجها ما٩ جعلت عبارة عن الأكثر، والصاد لصفائها وانحصار مخرجها وضيق محلها ما٩ جعلت عبارة عن الأقل. ولعلنا لو جمعنا من هذا الضرب ما مر بنا منه لكان أكثر من ألف موضع

١ يريد "جميعا" في الآية.
٢ سورة الزلزلة: ٦.
٣ سورة الكهف: ٤٧.
٤ سورة طه: ٦٦.
٥ سورة ص: ٥٠.
٦ سورة الأنعام: ١٥٨، و"تنفع" بالتاء قراءة ابن سيرين. وانظر البحر: ٤: ٢٥٩.
٧ أسلس، من سرح السيل، أي جرى جريا سهلا.
٨ سورة طه: ٦٩.
٩ ما زائدة.


الصفحة التالية
Icon