هذا مع أننا لا نتطلبه ولا نتقرى مواضعه، فكيف لو قصدنا وانتحينا وجهه وحراه١؟ نسأل الله أن يجعل ما علمنا منه لوجهه مدنيا من رضاه، ومبعدا من غضبه بقدرته وماضي مشيئته.
وأما "القبصة" بالضم فالقدر المقبوص، كالحسوة للمحسوّ٢، والحسوة [١٠٠ظ] فعلك أنت، والقبضة والقبصة جميعا على ذلك إنما هما حدثان موضوعان موضع الجثة، كالخلق في معنى المخلوق، وضرب الأمير، ونسج اليمن، في معنى مضروبه ومنسوجه.
ومن ذلك قراءة أبي حيوة: "لا مَسَاسِ"٣.
قال أبو الفتح: أما قراءة الجماعة: ﴿لا مِسَاسَ﴾ فواضحة؛ لأنه المماسَّة: مَاسَسْتُهُ مِسَاسًا كضَاربْتُه ضَرابًا، لكن في قراءة من قرأ: "لا مَسَاسِ" نظرا؛ وذلك أن "مساسِ" هذه كنَزَالِ ودَرَاكِ وحَذَارِ، وليس هذا الضرب من الكلام -أعني ما سمي به الفعل- مما تدخل "لا" النافية للنكرة عليه، نحو لا رجل عندك ولا غلام لك فـ"لا" إذًا في قوله: "لا مَسَاسِ" نفي للفعل، كقولك: لا أمسّك ولا أقرب منك، فكأنه حكاية قول القائل: مَساسِ كدَراكِ ونَزالِ، فقال: لا مَساسِ، أي: لا أقول: مساس، وكان أبو علي ينعم التأمل لهذا الموضع لما ذكرته لك، وقال الكميت:
لا هَمَامِ لِي لا هَمَامِ٤
أي: لا أقولُ: هَمَامِ، فكأنه من بَعدُ لا أهمّ بذلك، ولا بد من الحكاية أن تكون مقدرة. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: لا أضربُ، فتنفي "بلا" لفظ الأمر٥؛ لتنافي اجتماع الأمر والنهي. فالحكاية إذا مُقدَّرة مُعتقَدة.
٢ حسا المرقة: شربها قليلا قليلا.
٣ سورة طه: ٩٧.
٤ قبله:
إنْ أمُتْ لا أمُتْ ونفسِي نفْسا | نِ مِن الشك في عمًى أو تَعَامِي |
عادِلًا غيرَهُم مِن الناسِ طُرًّا | بِهِمْ، لا هَمَامِ لِي لا هَمَامِ |
٥ ساقطة في ك.