وقدْ ذكرَ في كلامٍ لاحقٍ ما يصلحُ أن يُضافَ إلى ضوابطِ قبول التَّفسير الإشاريِّ، وهو قوله: ((... ولكن له وجه جارٍ على الصِّحَّةِ، وذلك أنَّه لم يقل إنَّ هذا هو تفسير الآيةِ...)) (١).
هذا، وإذا لم يكن الكلامُ الَّذي ينبِّه إليه المفسِّرُ باطلاً في ذاتِه، بل كان صحيحًا في ذاته، فإنَّ عدمَ قبولِه يقعُ من جهةٍ أخرى، وهي عدم صحَّة دلالةِ الآيةِ عليه.
واليوم، يقعُ في هذا بعض الوعَّاظِ، ومتطلبو فوائدِ الآياتِ، والذين يكتبونَ في بعض المجلاَّتِ الإسلاميةِ، تحت عنوان: ((آية العدد)) أو ((إشراقة آية)) أو ((في ظلال آيةٍ)) أو غيرها من العناوين.
وإنَّك لتجدُ بعضهم يتكلَّفُ في استنباط الفوائد، ويربطها بالآيةِ، ويجعل الآية تدلُّ عليها، أو يتكلَّفُ بإدخالِ بعضِ ما يراه في الواقعِ تحت حُكْمِ الآيةِ، أو قد يجعلُ الآيةَ مدخلاً لموضوعٍ من الموضوعاتِ التي يريدُ الحديث عنها، فتراه يريد الحديثَ عن الحسدِ مثلاً، ويذكر آيةً من الآياتِ التي ذكرت الحسدَ، ثمَّ ينطلقُ يتحدَّثُ عن الحسدِ بتفصيلٍ لا علاقةَ له بالآيةِ التي ذكرَها في أوَّل موضوعِه.
وكلُّ هؤلاء المتكلفين ما لا يُحسنون عليهم أن يتَّقُوا الله، وأن يعلموا أنهم قد يدخلون فيمن يقول على الله بغير علم، فيكونون من أصحاب الرأي المذموم.
وإذا بَانَ لك هذا، عِلِمْتَ أنَّ ما يُعابُ على من كتبَ في ما يُسمَّى بالتفسيرِ الإشاري من تكلُّفهم ربطَ أقوالِ المتصوِّفةِ بتفسيرِ الآيةِ وأنها على سبيلِ الإشارةِ، فإنه يعابُ على بعض الوُّعاظ والدعاةِ الذين يسلكون هذا المنهج، وإن اختلفت المحاملُ عندَ الفريقينِ، والله أعلم.
مفهوم التدبر
تدلُّ مادة ((دَبَرَ)) على آخرِ الشَّيءِ، ومنه دُبُرُ الشيء، أي آخره، كأدبار الصلوات.

(١) الموافقات، للشاطبي، تحقيق: محيي الدين عبدالحميد (٣: ٢٨٦)، وقد أشار ابن تيميَّة إلى هذا الذي ذكره الشَّاطبيُّ، ينظر: بغية المرتاد (ص: ٣١٣).


الصفحة التالية
Icon