وأولى ما ذكرنا من الأقوال التي بينا بتأويل قول الله جل ذكره: ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ) [البقرة: ٢٨]، القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وعن ابن عباس من أن معنى قوله: (ِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً ) [البقرة: ٢٨]: أموات الذِّكْرِ، خمولاً في أصلاب آبائكم، نطفًا لا تُعرَفون ولا تُذكِرون، فأحياكم بإنشائكم بشرًا سويًا حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم، ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم رفاتًا لا تُعرفون ولا تُذكرون في البرزخ إلى يوم تبعثون، ثم يحييكم بعد ذلك بنفخ الأرواح فيكم لبعث الساعة وصيحة القيامة، ثم إلى الله ترجعون بعد ذلك، كما قال: ( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) [البقرة: ٢٨]، لأن الله – جل ثناؤه – يحييهم في قبورهم قبل حشرهم، ثم يحشرهم لموقف الحساب، كما قال – جل ذكره -: ( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) [المعارج: ٤٣]، وقال: ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ) [يس: ٥١].
والعلة التي من أجلها اخترنا هذا التأويل، ما قد قدمنا ذكره للقائلين به، وفساد ما خالفه، بما قد أوضحناه قبل)) (١).
وهذا المثال – مع طوله – يبيِّن صورة التَّدبُّر الذي يكون من أجل فهم المعنى المراد.
القسم الثَّاني: التَّدبُّر والاستنباط:

(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١: ٤١٨- ٤٢٤).


الصفحة التالية
Icon