عند تأمُّلِ عملية الاستنباط يظهر أنَّ فيها إعمال فكر ونظر، وقد يكون التدبر الذي ينتج عنه استنباط من آية ظاهرة المعنى لا تحتاجُ إلى تفسيرٍ، وقد يكون من آية ظهر معناها الصحيحُ، فيكون التدبُّر في هذه الحال بعد معرفةِ التفسير، فيتدبَّرُ المتدبر ما يحتويه معنى الآيةِ من وجوه الاستنباطاتِ والفوائد، وهو تدبُّرٌ لاستخراج الحِكَمِ والأحكامِ والآدابِ وغيرِها مما يستنبطُه المستنبطُ، وهذا يعني أنَّ الاستنباطات نتيجةٌ للتَّدبُّرِ.
ومن أمثلةِ هذا القسم من التَّدبُّرِ، ما ذكره ابن القيِّمِ (ت: ٧٥١) في كتابه ((زاد المهاجر)) من تفسير قصَّةِ إبراهيم عليه السلام في سورة الذَّارياتِ، قال: ((فصل في: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) [النساء: ٨٢، محمد: ٢٤].
فإن قلتَ: إنَّك قد أشرْتَ إلى مقامٍ عظيمٍ، فا فتحْ لي بابَه واكشفْ لي حجابَه، وكيف تَدَبُّرُ القرآنِ وتَفَهُّمُهُ والإشرافُ على عجائبه وكنوزه؟! وهذه تفاسيرُ الأئمَّةِ بأيدينا، فهل في البيانِ غيرُ ما ذكروه؟.
قلتُ: سأضرب لك أمثالاً تَحْتَذِي عليها، وتجعلها إمَامًا لك في هذا المقصدِ.
قال الله تعالى: ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) [الذاريات: ٢٤- ٣٠].


الصفحة التالية
Icon