وقد يكون في ذلك تساهل في عَدِّهِمْ من المفسِّرين، وإذا نظرت إلى بعضهم وجدت أنه قد برز في بعض العلوم، فزيد بن ثابت (ت: ٤٥) كان مقرئًا، وهو الذي قام بكتابة المصحف، وكان فرضيًّا، فقد يكون بسبب بروزه في هذين العلمين – خصوصًا لعلم القراءة المتعلِّق بالقرآن – تُسُمِّحَ في إطلاق لقب المفسر عليه، والله أعلم.
والبروزُ العلميُّ العامُّ لا يلزمُ منه البروز في علمٍ معيَّنٍ من العلومِ، بل لقد كانَ علمُ الفقه وعلمُ القراءةِ أشهرَ العلومِ التي كانَ الصحابة يعلِّمونها للتَّابعينَ، ولذا لا يُستبعدُ أنَّ من كتبَ في طبقاتِ المفسِّرين قد تأثَّر بكتاباتِ من سبقَه في طبقاتِ الفقهاءِ، وأدخلَ بعضهم في علمِ التَّفسيرِ، وإنْ لم يكن من المعتنينَ به.
ولا يعني إخراجُ فلان من العلماء المتقدِّمين أو المتأخِّرينَ من عِدادِ المفسِّرينَ نقصًا في حقِّه، أو حطًّا من منْزلتِه العلميَّةِ، لا يعني ذلك هذا أبدًا، وعدمُ ورودِ هذه المزيَّةِ الخاصَّةِ لا يعني انتفاء المزيَّةِ العامَّةِ، وكونه من العلماءِ.
ولو سبرت المفسرين المذكورين في كتب طبقات المفسرين، واطَّلعت على ما دوَّنوه من منجزاتهم في التفسير = لظهر لك أنَّهم لا يخرجون عن أربعة أنواع:
الأول- طبقة المجتهدين الأُوَلِ:
وهم مفسروا السلف من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، الذي دونت أقوالهم في كتب التفسير المسندة. وقد كان لهؤلاء اجتهاد واضح في التفسير، وكانوا أصحاب آراءٍ فيه، فمن المفسرين من جيل الصحابة: ابن مسعود (ت: ٣٥) وابن عباس (ت: ٦٨).


الصفحة التالية
Icon