هذا، ولقد تتبَّعتُ مصطلحَ ((مأثور)) و((المأثور))، فلم أظفر على هذا التَّقسيمِ الرُّباعيِّ الذي ذكرهُ هؤلاءِ، بل يطلقُه العلماءُ على ما أثرَ عن الرسول ﷺ أو عن السلف، أو الصحابة، أو عن التابعين(١)، وأحسبُ أنَّ هذه القضيَّة ليست بحاجةٍ إلى نقلٍ لتدعيمِها، لكثرةِ ما تردُ في كتب اللغة، ومصطلح الحديث، وغيرها، فتجد المأثور في اللغةِ: ما نقله الخلف عن السلفِ، وقد يكون اصطلاحًا عند بعضهم على ما أُثِرَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابهِ أو عن التَّابعينَ، وهو في كلِّ هذه الاصطلاحاتِ لم يخرج عن المعنى العامِّ للَّفظةِ.
وقد يُسمَّى المأثورُ عنهم بالتفسيرِ المنقولِ، ويقسمونَ التفسيرَ إلى نقليٍّ واجتهاديٍّ، ولكن لا يعنون أنَّ ما نُقِلَ عنهم لا يقعُ فيه اجتهادٌ، بل مرادهم اجتهادُ المفسِّر في أيِّ عصرٍ كان(٢).

(١) على هذا المنهج سار السيوطي في كتابه: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، وهذا هو المنهجُ الغالبُ على كلِّ من كتبَ في التفسير ونقلَ مرويَّات السلفِ الكرامِ، وليس فيها تخصيصٌ للقرآنِ بالقرآنِ بالذكرِ، بل تجده ضمن تفسير من فسَّر به، سواءٌ أكان من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، أم كان من تفسير من جاء بعده من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
(٢) ينظر على سبيل المثال: النكت والعيون للماوردي، تحقيق: السيد بن عبدالمقصود (٢١: ١)، ومقدمة ابن خلدون، ط: دار القلم (ص: ٤٣٩، ٤٤٠).
ومما يذكرُ هنا أنَّ بعضَ من رامَ التَّفريقَ بين التَّفسيرِ والتَّأويلِ، يجعلُ التَّفسيرَ للمنقولِ منه، والتَّأويلَ لما وقع من طريق الاستنباطِ، كالبغويِّ في تفسيره معالم التَّنْزِيل (٣٥: ١)، وليس هذا الفرقُ بصحيحٍ، كما سيأتي في بيانِ هذين المصطلحين.


الصفحة التالية
Icon