فكأنه -صلى الله عليه وسلم- يرشدهم إلى هذا المسلك بقوله: (ألا تسمع)، وكان يمكن إجابتهم وحل إشكالهم بدون الإشارة إلى الآية والله أعلم.
وأخيراً..
إذا كان يمكن استنباط بعض الأساليب التفسيرية في التفسير النبوي والقياس عليها، فإن هناك مالايقاس عليه، ومنه:
أولاً: أن يكون التفسير في بيان حكم شرعي:
عن أنس بن مالك قال: (كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت. فسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله عز وجل ((ويَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ))[البقرة: ٢٢٢].
فقال رسول الله :(اصنعوا كل شيء إلا النكاح)(٢٢).
إن قول الله (تعالى): ((فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ)) لفظ عام، ويمكن أن يفهم منه اعتزال النساء في المؤاكلة والمنام والبيوت، فذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على تخصيص الاعتزال بالمجامعة دون غيرها من المعاشرة.
ثانيا: أن يكون التفسير لبيان أمر غيبي:
عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذا الآية ((َولا تَحْسَبَنَّ الَذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) [ال عمران: ١٦٩]. فقال:
أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسر ح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل)(٢٣).
إن صفة حياة هؤلاء الشهداء لايمكن إدراكها إلا عن سماع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذا سأل الصحابة عن هذه الحياة الخاصة بالشهداء.
إنه في مثل هذين المثالين لايمكن استنباط (أسلوب تفسيري (لأن المجال في هذا ليس مفتوحا بحيث يمكن الاستنباط منه، بل هو محدد لبيان حكم شرعي أو أمر غيبي، ولذا يقف المفسر عند النص ولايمكنه تجاوزه، ليستفيد منه في نص آخر يقيسه عليه.
الهوامش: