عقد عبدالعظيم الزرقاني (ت: ١٣٦٧) في كتابه مناهل العرفان مبحثًا بعنوان (التعارض بين التفسير بالرأي والتفسير بالمأثور وما يتبع في الترجيح بينهما)، وقال فيه: ((ينبغي أن يعلم أن التفسير بالرأي المذموم ليس مرادًا هنا لأنه ساقط من أول الأمر فلا يقوي على معارضة المأثور.
ثم ينبغي أن يعلم أن التعارض بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي المحمود معناه: التنافي بينهما، بأن يدل أحدهما على إثبات والآخر على نفي، كأن كلا من المتنافيين وقف في عرض الطريق فمنع الآخر من السير فيه.
وأما إذا لم يكن هناك تناف، فلا تعارض، وإن تغايرا، كتفسيرهم الصراط المستقيم بالقرآن أو بالسنة أو بطريق العبودية أو طاعة الله ورسوله، فهذه المعاني غير متنافية وإن تغايرت...
إذا تقرر هذا، فإن التفسير بالمأثور الثابت بالنص القطعي لا يمكن أن يعارض بالتفسير بالرأي، لأن الرأي: إما ظني، وإما قطعي، أي مستند إلى دليل قطعي: من عقل أو نقل، فإن كان قطعيًا، فلا تعارض بين قطعيين، بل يؤول المأثور، ليرجع إلى الرأي المستند إلى القطعي إن أمكن تأويله، جمعًا بين الدليلين.
وإن لم يكن تأويله، حُمِلَ اللفظ الكريم على ما يقتضيه الرأي والاجتهاد، تقديمًا للأرجح على المرجوح.
أما إذا كان الرأي ظنيًا، بأن خلا من الدليل القاطع، واستند إلى الأمارات والقرائن الظاهرة فقط، فإن المأثور القطعي يقدم على الرأي الظني ضرورة أن اليقين أقوى من الظن. هذا كله فيما إذا كان المأثور قطعيًا، أما إذا كان المأثور غير قطعي في دلالته، لكونه ليس نصًا، أو في متنه، لكونه خبر آحاد، ثم عارضه التفسير بالرأي فلا يخلو الحال: إما أن يكون ما حصل فيه التعارض مما لا مجال للرأي فيه، وحنيئذٍ فالمعوَّل عليه المأثور فقط، ولا يقبل الرأي.


الصفحة التالية
Icon