وإن كان للرأي فيه مجال، فإن أمكن الجمع فبها ونعمت، وإن لم يكن قدِّمَ المأثور عن النبي أو عن الصحابة، لأنهم شاهدوا الوحي، وبعيد عليهم أن يتكلموا في القرآن بمجرد الهوى والشهوة.
أما المأثور عن التابعين، فإذا كان منقولاً عن أهل الكتاب، قدم التفسير بالرأي عليه. وأما إذا لم ينقل عنهم، رجعنا به إلى السمع، فما أيده السمع، حُمِلَ النظم الكريم عليه، فإن لم يترجح أحدهما يسمع ولا بغيره من المرجحات، فإننا لا نقطع بأن أحدهما هو المراد، بل نُنَزل اللفظ الكريم منْزلة المجمل قبل تفصيله والمشتبه أو المبهم قبل بيانه)) (١).
إنك في هذا النَّصِّ أمام فَرَضيات مبنية على أن التفسير بالمأثور ليس فيه رأي، وأنه يمكن أن يناقضه التفسير بالرأي، ويظهر لي أن ههنا معركة دائرة بين أشياء متوهَّمة، لذا لم يذكر الزرقاني (ت: ١٣٦٧) أمثلة لهذه الفرضيات التي استنتجها، وقد جاء بمصطلحات لا تستخدم إلا عند المتكلمين ممن كتب في علم الكلام أو في علم الأصول، وذهب يعمل بطريقة السبر والتقسيم في المحتملات التي يمكن أن ترد في التعارض المزعوم بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي.
ولعلك تلحظ فيه روح أحد علماء الكلام الذين يقدمون العقل على النقل في قوله: ((إذا تقرر هذا، فإن التفسير بالمأثور الثابت بالنص القطعي لا يمكن أن يعارض بالتفسير بالرأي، لأن الرأي: إما ظني، وإما قطعي، أي: مستند إلى دليل قطعي من عقل أو نقل، فإن كان قطعيًا فلا تعارض بين قطعيين بل يؤول المأثور ليرجع إلى الرأي المستند إلى القطعي إن أمكن تأويله جمعًا بين الدليلين)).