وبهذا صار حظُّ التفسير بالمأثور أن يكون عرضةً للعقول تؤولِّه على ما تراه مناسبًا لها، وليس مقدَّمًا عليها.
وأعيد فأقول: إن هذا الكلام لو خرج ممن لم يقرأ في التفسير، ولا كتب في علوم القرآن لما كان مستغربًا، لكن أن يكون في كتاب من أهم كتب علوم القرآن المعاصرة، فهذا ما يُعجبُ منه!.
وإني أظنُّ أنَّ قارئًا لو أراد أن يطبق هذه الفرضيات التي ذكرها لظهر له زيفُها وبُعْدُها عن التحقيق، مع ما تتَّسمُ به – من أول وهلة – من النظر والتحرير والتقسيم والتحبير، لكنها في الواقع بعيدة كل البعد عن طريقة التفسير ومهيعه المعروف عند العلماء(١).
الثالثة: تقسيم كتب التفسير بين المأثور الرأي.
كان من أكبر نتائج مصطلحي المأثور والرأي أن قُسِّمت كتب التفسير بين هذين النوعين، وليس هناك حجة واضحة في هذا التوزيع، ولا تكاد تجد حدًّا فاصلاً في عَدِّ تفسير من التفاسير بأنه من المأثور أو من الرأي، ومن ذلك تقسيم محمد حسين الذهبي (ت: ١٣٩٧)، فقد جعل كتب التفسير المأثور ما يأتي:
جامع البيان، لابن جرير الطبري (ت: ٣١٠)، وبحر العلوم، لأبي الليث السمرقندي (ت: ٣٧٥)، والكشف والبيان عن تفسير القرآن، لأبي إسحاق الثعلبي (ت: ٤٢٧)، ومعالم التنْزيل، لأبي محمد الحسين البغوي (ت: ٥١٦)، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الأندلسي (ت: ٥٤٢)، والجواهر الحسان في تفسير القرآن، لعبدالرحمن الثعالبي (ت: ٨٧٦)، والدر المنثور في التفسير المأثور، للسيوطي (ت: ٩١١) (٢).
وجعل من كتب التفسير بالرأي المحمود:

(١) في كلامه رحمه الله – وكذا عند الذهبي في كتاب التفسير والمفسرون – مغالطات فيما يتعلق بالتفسير المأثور عن السلف، أرجو أن ييسر الله لي الحديث عنها في مكان آخر، وهو الموفق.
(٢) التفسير والمفسرون (١: ٢٠٤).


الصفحة التالية
Icon