٢٤- قوله تعالى :﴿لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا﴾ ؛ أي : لا يحسون ولا يطعمون فيها هواء يبرد حر السعير عنهم(١)، ولا يشربون شيئاً يروى عطشهم الذي نتج عن هذا الحر.
٢٥- قوله تعالى :﴿إلا حميما وغساقا﴾ ؛ أي : لا يذوقون البرد والشراب، لكن يذوقون الماء الذي بلغ النهاية في حرارته، وصديد أهل النار المنتن الذي بلغ النهاية في برودته(٢)

(١)... ذكر في معنى البرد قول آخر، وهو أن يكون البرد النوم، وقال عنه الطبري :"وقد زعم بعض أهل العلم بالكلام العرب – يعني : أبا عبيدة معمر بن المثنى – أن البرد في هذا الموضع النوم، وأن معنى الكلام : لا يذوقون فيها نوماً ولا شراباً، واستشهد لقيله ذلك بقول الكندي :
... بردت مراشفها على فصدني...... عنها وعن قبلاتها البرد
يعني بالبرد : النعاس.
والنوم، وإن كان يبرد غليل العطش، فقيل له من أجل ذلك : البرد، فليس هو بأسمه المعروف، وتأويل كلام الله على الأغلب من معروف كلام العرب دون غيره".
وقد نسب هذا القول لابن عباس (تفسير البغوي)، ومجاهد والسدي (تفسير الماوردي)، وهو قول يحتمله السياق، غير أنه مترجح للسبب الذي ذكره الطبري، وإذا كان كذلك، فإن سبب الاختلاف : الاشتراك اللغوي، ويكون من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى.
(٢)... اختلفت عبارة السلف في تفسير الغساق، فقال بعضهم : الغساق : هو ما سال من صديد أهل النار، ورد ذلك عن عطية العوفي، وعكرمة، وأبي رزين، وإبراهيم النخعي، وابن زيد. وعن عبد الله بن بريدة أن المنتن بلاطخارية [أي بلغة أهل طخارستان}. قال بعضهم : الغساق، الزمهرير، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وعن مجاهد من طريق ليث، وعن أبي العالية، والربيع ابن نس.
... ومادة (غسق) فيها هذا المعنيان، أما الغسق بمعنى البرد، فمنه غسق الليل، سمى بذلك لبرودته. وأما الغسق بمعنى الصديد المنتن الذي يسيل من أهل النار، فمن قولهم غسق الجرح : إذا سال فيحه. وعلى هذا، فالتفسيران صحيحان، وجائز اجتماعهما في معنى الغساق، ويكون من عذاب النار الذي يعذب الله به الكفار. وهذا هو ترجيح الإمام الطبري.
... وعلى هذا فسبب الاختلاف : الاشتراك اللغوي، وهو من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى.


الصفحة التالية
Icon