٣٠- قوله تعالى :﴿فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا﴾ ؛ أي : ذوقوا أيها الكفار الطاغون من عذاب هذه الأحقاب، فلن نزيدكم إلا عذاباً من جنس عذاب النار(١) ؛ كما قال تعالى :﴿هذا فليذوقوه حميم وغساق * وءاخر من شكله أزواج﴾، والعياذ بالله، وهذه الآية من أشد ما نزل في عذاب الكفار(٢).
٣١- قوله تعالى :﴿إن للمتقين مفازا﴾ : عقب بذكر المتقين على عادة القرآن في ذكر الفريقين وأحوالهم ومآلهم. والمعنى : إن للذين اتقوا الله بطاعته وتجنب معصيته مكان فوز، وهو الجنة(٣).
٣٢- قوله تعالى :﴿حدائق وأعنابا﴾ ؛ أي : إن مكان الفوز هو هذه البساتين المسورة : إما بجدار، وإما بأشجار، وخص العنب لفضله عندهم.
٣٣- قوله تعالى :﴿وكواعب أترابا﴾ ؛ أي : ومن المفاز : الجواري المستويات الأسنان، اللواتي قد استدارت نهودهن وتفلكت.
٣٤- قوله تعالى :﴿وكأسا دهاقا﴾ ؛ أي : ومن المفاز : إناء الخمر، أو غيره، المملوء عن آخره، الذي يشربونه صافياً متتابعاً بلا انقطاع(٤)

(١)... هذه الآية مرتبطة بقوله :﴿جزاء وفاقا﴾ [النبأ : ٢٦]، وما قبلها من قوله :﴿إن جهنم كانت مرصادا﴾ [النبأ : ٢١]، وتكون الجمل التي بينهما معترضة، والله أعلم. انظر : التحرير والنوير.
(٢)... أسند الطبري، عن عبد الله بن عمرو، قال : لم تنزل على أهل النار آية أشد من هذه :﴿فذوقوا فلن تزيدكم إلا عذابا﴾ [النبأ : ٣٠] قال : فهم في مزيد من العذاب أبداً.
(٣)... عبر ابن عباس عن المفاز بأنه المتنزه، وعبر عنه مجاهد وقتادة أنهم فازوا بأن نجوا من النار، وعند التأمل تجد أن نتيجة هذه الأقوال ومؤداها واحد، والله أعلم.
(٤)... عبر جمهور السف عن معنى الدهاق بالامتلاء، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق مسلم بن نسطاس وأبي صالح وعلي بن أبي طلحة، وعن الحسن من طريق أبي رجاء ويونس، وعن مجاهد من طريق منصور، وعن قتادة من طريق معمر وسعيد، وعن ابن زيد.
... وورد تفسيرها بالمتتابعة عن أبي هريرة، وعن ابن عباس من طريق عمرو بن دينار، وعن سعيد بن جبير. وورد تفسيرها بالصافية عن عكرمة.
... ويظهر أن التفسير الأول هو التفسير اللغوي الأشهر في معنى اللفظ، أما الثاني، فقد أشار الطبري إلى وجود أصله في اللغة، بقوله :"وقوله :﴿وكأسا دهاقا﴾ [النبأ : ٣٤] يقول : وكأساً ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة امتلائها، وأصله من الدهق، وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق : متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء". (انظر في هذا المعنى : تاج العروس : مادة : دهق).
... وأما التفسير الأخير فلا تعطيه اللفظة ولا يخصها، بل هو تفسير مبني على ما عرف من صفاء شراب الجنة وعدم وجود الغش فيه، وهل يجوز أن تكون لغة من لغات العرب علمها عكرمة، ففسر بها؟! الله أعلم.
... وعلى هذا يكون الاختلاف من قبيل اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى، ويكون سبب الاختلاف في القولين الأولين : الاشتراك اللغوي.


الصفحة التالية
Icon