والتابعون يزيد عندهم مصدر، وهو تفسير الصحابة، وكذا أتباع التابعين يزيد عندهم مصدر، وهو تفسير التابعين، وكذا من جاء بعدهم يكون تفسير السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم مصدرًا لهم.
وبعد هذا، فإن كل ما يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن السلف من تفسير القرآن، فإنه يصحُّ أن يُطلق عليه ((تفسير مأثور)) (١)، وهذا يعني كيفية الوصول إليه، فأنت لا تدرك هذه المنقولات عنهم بعقلك، بل لا بدَّ من أن تأخذها عن طريق الأثر، لذا تذهب إلى من اعتنى بالمنقول عنهم، كعبدالرزاق (ت: ٢١١)، والطبري (ت: ٣١٠)، وابن أبي حاتم (ت: ٣٢٧)، وغيرهم، ثمَّ تقرأ ما رَوَوه عن السلف، وتعتبر ما جاء عنهم – من حيث الجملة – من أهم مصادر التفسير.
والحديث هنا – كما قلت لك – وصف للتفسير باعتبار مصادره، وليس حديثًا عما يقبل وما لا يقبل من التفسير، فهذا له مجال آخر من الحديث.
وبعد هذا الحديث المفصل عن مصطلح التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي سأشرع في بيان المصطلحات التي عُقِدَ الكتاب من أجلها، وهذا أوانه، وبالله التوفيق.
مفهوم التفسير

(١) يحسن أن تلاحظ الفرق بين جملة ((تفسير مأثور))، وجملة ((تفسير بالمأثور))، فالأولى تدل على وصف التفسير بأنه مأخوذ عن طريق الأثر، والثاني تعني أن المفسر فسَّر بما ورده عن السلف، ويحتمل تفسيره أمرين: الأول: أن لا يكون له رأي مطلقًا بل هو مقلِّدٌ لهذا التفسير، لأنه ورد عن السلف.
الثاني: أن يكون له رأي، وتراه يختار من المنقول عن السلف، ويرجح بين أقوالهم، ولا تكاد تراه يخرج عنها، فهذا مفسر يعتمد على المأثور ويستفيد منه، وليس جامدًا عليه بلا اختيار ولا رأي، وعلى هذا سار إمام المفسرين ابن جرير الطبري.


الصفحة التالية
Icon