والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا * يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة * أبصرها خاشعة * يقولون أءنا لمردودون في لحافرة * أءذا كنا عظاما نخرة * قالوا تلك إذا كرة خاسرة * فإنما هي زجر وحده * فإذاهم بالساهرة * هل أتاك حديث موسى * إذا ناداه ربه بالواد المقدس طوى * أذهب إلى فرعون إنه طغى * فقل هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى * فأراءه الآية الكرى* فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى * فحسر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الأخره والأولى * إن في ذلك لعبرة لمن يخشى * ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحها * والأرض بعد ذلك دحها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعا لكم ولأنعامكم * فإذا جاءت الطامة الكبرى * يوم يتذكر الإنسان ما سعى * وبرزت الجحيم لمن يرى * فأما من طغى * وءاثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإنه الجنة هي المأوى * يسألونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها * إلى ربك منتهاها * إنما أنت منذر من يخشاها * كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحها *
سورة النازعات
١- قوله تعالى :﴿والنازعات غرقا﴾ : يقسم ربنا الملائكة التي تجذب أرواح الكفار من أجسادهم عند الموت جذباً شديداً، كما يشد الرامي بالقوس السهم إلى آخر مداه(١)

(١)... وقع خلاف في تفسير النازعات بين مفسري السلف على أقول :
الملائكة التي تجذب روح الكافر من أقاصي بدنه، عن ابن مسعود من طريق مسروق، وابن عباس نم طريق العوفي وأبي صالح، وعن مسروق، وسعيد بن جبير.
الموت ينزع النفوس، وهو قول مجاهد من طرق ابن أبي نجيح.
النجوم تنزع من أفق إلى أفق، وهو قول الحسن من طريق أبي العوام، وقتادة من طريق معمر.
القسي تنزع بالسهم، وهو قول عطاء.
النفس حين تنزع، وهو قول السدي من طريق سفيان.
وإذا تأملت هذه الأقوال، فإنك ستجدها جاءت على دلالة أسم فاعل ؛ أي أنها نازعة، عدا قول السدي الذي حمل اسم الفاعل على المفعول، وفيه نظر ؟
كما أنها جعلت فعل النازعات من قبيل المتعدي ؛ كقوله تعالى :﴿تنزع الناس﴾، سوى قول من قال هي النجوم، فالفعل عنده لازم لا يحتاج إلى مفعول.
وجاء اسم الفاعل، ولم يذكر مفعوله لأن النزع هو المقصود في المقام، كما جاء جمعاً لتأويله بالجماعات النازعات.
وهذا من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من معنى، وسبب هذا الخلاف أن هذه وصاف لم يذكر موصوفها، وهي صالحة لأن تحمل على كل ما قيل فيها – كما قال ابن جرير – وعليه فهي من قبيل المتواطئ، غير أن الراجح من أقوال المفسرين، أن النازعات وما بعدها من الأوصاف هي الملائكة، وعلة ذلك أن المفسرين أجمعوا على أن المدبرات هي الملائكة، ودلت الفاء في قوله تعالى ﴿فالمدبرات أمرا ﴾ على أنها متفرعة عن جملة :﴿فالسابقات سبقا﴾ [النازعات : ٤]، وهذه الجملة متفرعة عن جملة :﴿والسابحات سبحا﴾ [النازعات : ٣]، وعليه فهذه الأوصاف الثلاثة في الملائكة، وكون الوصفين الأولين فيهما أيضاًَ أولى ؛ لاتحاد هذه الأوصاف في موصوف واحد. وتفريق الأوصاف على أجناس مختلفة، مع هذا التأويل غير متمكن، ولا دليل عليه، والله أعلم. (انظر : التبيان في أقسام القرآن : ٨٥).


الصفحة التالية
Icon